ظهرت شخصيّة المدرّس في السّينما والمسرح منذ الثّلاثينيّات من القرن الماضي وبعد ظهور التّلفزيون في السّتينيّات تناولت الدّراما المصريّة شخصيّة المدرّس.
قد يهمك أيضًا
"25 عاماً على القصة الأسطورية!! أين كنت في أول عرض لفيلم تايتانيك؟
المدرس في مظهر مرفوض
وكان الغالب في هذه الأعمال الفنّيّة ظهور المدرّس بمظهر لا يليق بقدسيّة ومكانة المدرّس في المجتمع المصريّ والعربيّ فإمّا أن يظهر فقيرًا مهلهلًا رثّ الثّياب وإمّا يظهر بالزّيّ الأزهريّ كشخص متشدّد رجعيّ رافض للحضارة والرّقيّ والمدنيّة الحديثة.
أو يظهر كشخص شرير ليس فيه من الفضائل والأخلاق إلّا أقلّها كشخصيّة المدرّس في فيلم (سلامة في خير) عام 1937 الّذي أنتجه استوديو مصر، ويعدّ من أوائل الأفلام الّتي أظهرت شخصيّة المدرّس وجسّدها وقتها الفنان (شارافنطح) وكان مدرس لغة عربيّة يكره جاره (نجيب الرّيحانيّ) ويكيد له ويمتلك لسانًا سليطًا لا يليق بمدرّس يعلم أطفالًا الأخلاق.
والغريب في هذه المدّة والّتي كانت البدايات للسّينما والمسرح فقد كانوا دائمًا يتناولون شخصيّة المدرّس في صورة مدرّس اللّغة العربيّة الّذي يتكلّم بالعربيّة الفصحى حتّى مع أصحابه وأهل بيته وكأنّهم يسخرون من اللّغة العربيّة.
والسّبب في ذلك هو أنّ معظم المدرّسين في تلك المدّة كانوا من الأجانب القائمين على تدريس الموادّ الأخرى غير اللّغة العربيّة والاجتماعيّات والّتي تخصّص في تدريسها أبناء مصر لحصولهم على مؤهّلاّت من الأزهر أو كلّيّة دار العلوم، أو مدرسة المعلّمين العليا.
توالت الأفلام الّتي ظهرت فيها شخصيّة المدرّس بعد فيلم سلامة في خير مثل فيلم غزل البنات، وفيلم غصن الزّيتون وغيرها من الأفلام القديمة.
وحديثًا بعض الأفلام مثل فيلم مبروك أبو العلمين، وأيضًا في المسرح نجد المسرحيّات الّتي تناولت شخصيّة المدرّس بنوع من السّخرية والتّشويه.
وجعلت المدرّس شخصيّة هزليّة على خشبة المسرح مثل مسرحيّة السّكرتير الفنيّ لفؤاد المهندس ومسرحيّة مدرسة المشاغبين الّتي يمكن أن نقول إنّها من أكثر الأعمال الّتي أظهرت شخصيّة المدرّس بصورة غير لائقة.
ثمّ بعد ذلك مسلسلات التّلفزيون مثل مسلسل طه حسين لأحمد زكي ومسلسل كابتن جودة لسمير غانم.
قد يهمك أيضًا سوسن بدر واستضافتها في برنامج صاحبة السعادة
البداية الصحيحة مع ضمير أبلة حكمت
ويمكن أن نقول إنّ العمل الدّراميّ الوحيد الّذي أظهر صورة المدرّس كما ينبغي أن يظهر مسلسل ضمير أبلة حكمت الّذي يعدّ استثناء كعمل دراميّ فهو تقريبًا الوحيد الّذي نجح في إظهار شخصيّة المدرّس بالصّورة اللّائقة ويشار إليها بالإجلال والاحترام.
ولأنّ أسامة أنور عكاشة كاتب العمل بدأ حياته كمدرّس علم نفس قبل أن يكون كاتبًا فقد احترم أصحاب المهنة وظهرت نماذج قدوة ونموذج للمدرّس المعلّم.
ولكن نعود ونقول إنّه منذ بداية الفنّ المرئيّ والمسموع في مصر في القرن العشرين كانوا دائمًا يسخرون من شخصيّة المدرّس إمّا لهدف سياسيّ وهو هدم فكرة القدوة بالنّسبة للأطفال والشّباب.
أو السّخرية من اللّغة العربيّة لغة العرب والمسلمين بهدف استعماريّ وهو نشر اللّغات الأجنبيّة في مصر (الجلنزة والفرنسة).
وإمّا لهدف آخر أيضًا له صلة بالاستعمار، وهو هدم فكرة التّعليم، وقيمته الممثّلة في المدارس والمدرّسين وعدم احترام الطّلّاب للعلم لنشر الفوضى والجهل والتّأخّر العلميّ والثّقافيّ لتعيش هذه البلاد الفقيرة في عزلة.
وفي السّنوات الأخيرة بدأت الصّفوة السّياسيّة في مصر تطالب بإظهار صورة المدرّس في الفنّ بالصّورة اللائقة وتوفير الاحترام والرّعاية الماليّة والاجتماعيّة له الّتي بها يعود دور المدرّس في صنع العقول وزرع الانتماء في قلوبهم.
لأنّ كلّ البلاد الّتي تقدّمت وتطوّرت ثقافيًا واقتصاديًا كان أوّل شيء فعلوه هو الاهتمام بالتعليم واحترام مكانة المعلّم، وإذا لم تقدّر الدّولة المدرّس في فنّها وتحترمه فهي دولة متخلّفة لا تعرف قدره ومكانته، ولا تحترم العلم والعلماء.
فأمريكا أوّل دولة صنعت السّينما والمسرح والدّراما وحتّى الآن لم يظهر المدرّس في أيّ عمل فنّيّ سينمائيّ أو تلفزيونيّ، إلّا كشخصيّة محترمة لها مكانتها وتقديرها داخل سياق العمل الدّراميّ الفنّيّ ودائمًا يكون هو سبب تغيّر للأفضل في القصّة.
ونحن بلد الحضارة والعلم حتّى الآن نسخر من العلم والعلماء وتظهر عندنا شخصيّة المدرّس شخصيّة هزليّة نسخر منها ونضحك عليها رغم أنّها أهمّ شخصيّة في بناء المجتمعات والحضارات.
قد يهمك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.