ممَّا لا شكَّ فيه أن السوشيال ميديا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، هذه المنصات غيَّرت جذريًّا الطريقة التي نتواصل بها، ونبني بها علاقاتنا، وننظر بها إلى أنفسنا، وقد قدمت لنا منصات التواصل الاجتماعي فرصة غير مسبوقة لمشاركة أفكارنا، والتفاعل مع من يشاركنا الاهتمامات، والتعبير عن أنفسنا بحرية لم تكن متاحة من قبل.
فقد أصبح الواقع الافتراضي عالمًا موازيًا لعرض الإنجازات الشخصية والمهنية، ودعم القضايا الاجتماعية، ومزيد من الإيجابيات التي تخفي وراءها تأثيرات نفسية معقدة تنبثق عن طريق هذا التفاعل المستمر.
ومن أبرز التأثيرات النفسية التي تتركها السوشيال ميديا على الإنسان هو الإدمان؛ لأن تلك المنصات تعتمد على خوارزميات تجعلنا نشعر برغبة مستمرة في العودة للتصفح والتفاعل، فكل إعجاب أو تعليق أو مشاركة يمنحنا شعورًا بالرضا نظرًا للدوبامين الذي يفرزه الدماغ نتيجة لذلك، وهذا يخلق نوعًا من الحاجة المفرطة للحصول على التقدير من الآخرين.
فأصبح المشارك في حاجة ماسة لجرعات اللايك والشير على المنشورات حتى لا تتحول لحظات الرضا إلى مصدر توتر وضغط، والسعادة الآنية إلى قلق وإحباط.
في ذلك المقال أسعى للإجابة عن كيفية تأثير تفاعلات منصات التواصل الاجتماعي على سيكولوجية الإنسان.
تأثير اللايك والشير على الرضا الذاتي والانتماء الاجتماعي للإنسان
الإعجابات (اللايك) والمشاركة (الشير) هي رموز اجتماعية جديدة في عصر السوشيال ميديا تعبر عن التفاعل، التقدير، والانتماء. ليست فقط أيقونات رقمية نضغط عليها؛ فهي تحمل تأثيرًا نفسيًّا عميقًا على الإنسان وأصبحت وسيلة للتفاعل السريع تظهر تقييمًا اجتماعيًّا فوريًّا.
اللايك: هو تعبير بسيط عن التقدير والموافقة على محتوى معين قد نال الإعجاب كونه وسيلة رقمية للمدح وإظهار الاهتمام، ينتج عنه رضا ذاتي.
الشير: هو مستوى أعمق من التفاعل، فقد يعبر عن رغبة المستخدم في إيصال المحتوى لعدد أكبر من الناس كونه وسيلة رقمية للإيمان بالمحتوى وتأييده، ينتج عنه انتماء اجتماعي.
وبذلك، نحن أمام بُعد جديد للعلاقات الإنسانية على المنصات الرقمية.
اللايك والرضا الذاتي
عندما يتلقى المستخدم إعجابًا على محتوى خاص به، تُفرَز مادة الدوبامين في الدماغ، والدوبامين هو ناقل عصبي مرتبط بالسعادة والمكافأة، وبذلك يشعر بالرضا والإنجاز.
وعندما يستمر الدوبامين بالتدفق بواسطة تلك الإعجابات، يستمر المستخدم في البحث عن مزيد منها لتحقيق نفس الشعور والإحساس. ومن هنا يصبح اعتماديًّا على تلك الوسيلة للوصول إلى تلك الحالة من الرضا الذاتي. والاعتمادية هي المفهوم الجوهري للإدمان، وإذا لم يحصل المنشور على عدد كبير من الإعجابات، يشعر المستخدم بعدم الكفاية، وهو شعور يظهر حالة من الإحباط والفشل.
عندما نشعر بالتقدير والقبول من الآخرين بصفتنا بشر، يعزز ذلك احترامنا وتقديرنا لذواتنا. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ذلك التقدير الذاتي هو مؤقت ومصدره تأكيد خارجي يعرض المستخدم الرقمي لحالة من تشويه الصورة الذاتية.
الشير والانتماء الاجتماعي
عندما يشارك شخص محتوى معين، فإنه يُعبِّر عن اهتمامه بمضمونه ورغبته في نقله للآخرين، وهذا الفعل يخلق مجتمعًا رقميًّا يتشارك نفس الاهتمامات والقيم؛ فالمشاركة الرقمية تظهر جزءًا من هوية الفرد، فيختار ما يتوافق مع قيمه وأفكاره، ثم إنها دعوة افتراضية للتواصل وإحداث تأثير، إذ تتشكل الانتماءات الاجتماعية داخل خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وهذا يخلق نوعًا من تعزيز الاتجاهات الثقافية؛ فالمنشورات التي تحصل على تفاعل كبير تسهم في تكوين ثقافة المجتمع الرقمي وتحديد المواضيع الرائجة.
وذلك يؤدي إلى:
- التلاعب الجماعي: بعض الأفراد والجهات قد يستخدمون اللايك والشير للتأثير على الرأي العام أو نشر معلومات مضللة.
- التأثير على القرارات الجماعية: التفاعل الكبير مع قضايا معينة يمكن أن يخلق حركة مجتمعية غير مألوفة للثقافات السائدة وتغيير وجهات النظر.
لذلك علينا أن نعي أن اللايك الشير ليست تفاعلات رقمية بسيطة علي الشاشات ولكنها تؤثر علي حياتنا النفسية والاجتماعية، وعلى الرغم فوائدهما في تعزيز التواصل والتقدير لكنه من الضروري التعامل معهما بوعي وحكمة.
اللايك والشير في سياق الصحة النفسية
ما تفعله بنا الاعتمادية على اللايك والشير كصورة تظهر هويتنا وتقديرنا لذواتنا:
1- المقارنة الاجتماعية: يميل مدمنو تفاعلات منصات التواصل الاجتماعي إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين بواسطة عدد اللايكات والشير، وتلك المقارنة تؤدي إلى شعور بعدم الرضا.
2- الخوف من الفقدان (F.O.M.O): يشعر المستخدم بالقلق لتفويت الفرص والاتجاهات الرائجة (الترند)، ويستمر في البقاء متصلًا أطول وقت ممكن؛ ما يؤدي إلى حالة من التوتر والإجهاد النفسي.
3- تشويه الصورة الذاتية: عندما لا يحصل الشخص على عدد كبير من اللايكات والشير، يشعر بأن ما يقدمه من محتوى ليس جيدًا بما يكفي ويشعر بالدونية في العالم الرقمي.
4- الضغط الاجتماعي: إذا لم يحقق المنشور التفاعل المرجو والمتوقع، يؤدي ذلك إلى شعور المستخدم الرقمي بالعزلة أو بأن أفكاره ليست ذات قيمة.
كيف يمكننا التحكم في تأثير اللايك والشير؟
1- تعزيز الوعي الذاتي: علينا أن ندرك أن قيمتنا لا تُستمَد من عدد كبير أو ضئيل من اللايكات والشير؛ فالإنجاز الحقيقي يعتمد على الجودة وليس الكمية.
2- مقاومة المقارنة الاجتماعية: وذلك بالتركيز على الذات وما يميزها بدلًا من مقارنتها بالآخرين.
3- التعبير عن الهوية الشخصية: وذلك عن طريق استخدام منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن هويتنا وأفكارنا وما نهتم به وننتمي له بدلًا من السعي خلف التفاعلات الرقمية.
4- التحكم في التوقعات: علينا أن ندرك أن اللايك والشير ليس مقياسًا لقيمتنا الإنسانية الحقيقية.
5- تحقيق التوازن بين العالم الافتراضي والحقيقي: تخصيص وقت للابتعاد عن منصات التواصل الاجتماعي لشحن الطاقة النفسية، وتخصيص وقت للتفاعل مع الأصدقاء والعائلة في الحياة الواقعية.
طبيعتنا الإنسانية دائمًا ما تكون بين الثقة بالنفس والضغط النفسي، وبين الرضا والإحباط، وبين السعادة والقلق والتوتر... ذهابًا وإيابًا. ويبقى التوازن هو الحل الأمثل والحكمة الثابتة.
في النهاية، لا تُقاس القيمة الحقيقية للإنسان بعدد اللايكات والشير على المنصات الرقمية، بل بما يحققه في حياته من توازن وسعادة.
مقالة واقعية بالفعل ، السوشيال ميديا رغم أهميتها إلا انها مضللة بدليل أن من يدفع أكثر لتوثيق حسابه هو الذي يحصل على اكبر عدد من اللايكات والشير والعكس الحسابات الصغير وغير الموثقة لا تحصل على نفس عدد اللايكات والشير ولكن طبعا هناك استثناءات كثيرة لبعض الحسابات الرائعة الغير موثقة ولكنها حصلت على اكبر عدد من اللايكات والشير ، رغم ذلك فإن الرضا وتقدير الذات يستحيل أن يعتمد على هذا العالم الرقمي لأن المهم هو ثقة رؤية الانسان لذاته ورؤية الناس لانجازاته في الواقع الحقيقي وليس الرقمي
شكراً لمرورك الكريم
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.