تردد كثيرًا في المدة الأخيرة مصطلح سوق الكانتو، وقد يكون ذلك لأنها تحمل عنوان أحد المسلسلات التي تُعرض في رمضان لهذا العام، وبدأ كثير من الناس يتساءل عن معنى هذا المصطلح «سوق الكانتو».
اقرأ أيضاً التداول في سوق الأسهم ودوره في الاستثمار
ما هو سوق الكانتو؟
وقد يعرف قليل من الناس ما هي سوق الكانتو، لكن لها جذورًا تاريخية في مصر وباقي دول العالم بأسماء مختلفة. فتوجد أسواق لبيع المنتجات المستعملة في كل مكان في العالم، ولكل منها اسمه وشهرته، ولكن تبقى سوق الكانتو لها خصوصية في مصر. فيعود تداول هذا الاسم إلى نهاية القرن 18 وبداية القرن 19 حين أُنشئت سوق الكانتو في القاهرة، وتبعتها سوق أخرى في الإسكندرية.
في هذه المقالة نتعرف على تاريخ سوق الكانتو في مصر والدول العربية، في جولة في الزمن؛ لأن هذه الأسواق والمنتجات الموجودة فيها تُعد مخازن للتاريخ بشقيه؛ تاريخ الدول والأحداث التي مرت عليها، وتاريخ الأشخاص الذين كانوا يمتلكون هذه الأشياء المستعملة التي تُباع في هذه الأسواق.
اقرأ أيضاً سوق الأسهم.. كيف يعمل سوق الأسهم؟
بداية سوق الكانتو
كلمه سوق الكانتو تعني سوق الأشياء المستعملة. فكلمة كانتو هي كلمة إيطالية تعني زاوية المستعمل. وإذا كنا نبحث عن بداية سوق الكانتو فلا توجد بداية محددة لأسواق بيع الاستعمال في أي مكان في العالم.
فقد ارتبطت بحاجة الإنسان وظروفه الاقتصادية. وكلما زادت احتياجات الناس وزادت صعوبة ظروفهم اتجهوا أكثر للتعامل في المستعمل، فمنهم من يبيع من يملك، ومنهم من يبحث عن السلعة المستعملة التي تناسب احتياجاته، وبذلك تنشأ هذه السوق في كل مكان وفي كل مجتمع في العالم تلقائيًّا.
أما عن مصطلح «سوق الكانتو» فهو مصطلح خاص بمصر، فقد ظهرت «سوق الكانتو» بهذا الاسم في القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر على أيدي مجموعة من التجار السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، وبمرور الوقت ازدادت شهرة هذا المكان، وكثر عدد التجار فيه، وأصبح أحد معالم القاهرة.
وعُرف بسوق البالة، والبالة تعني الحزمة أو المجموعة الكبيرة، وهي حزمة الملابس المتنوعة المستعملة التي كانت تنتشر في هذه السوق حتى ثلاثينيات القرن الماضي، حين أُصيبت مصر بحالة ركود اقتصادي كبير جعلت التجار العرب يبيعون محلاتهم لليهود، ووقتها عرفت الوكالة المعروفة باسم سوق البالة باسم سوق الكانتو، وكانت هذه بداية نشأة مصطلح سوق الكانتو التي يسيطر عليها التجار اليهود.
اقرأ أيضاً كيف تربح من سوق الفوركس بدون تداول؟
نشأة مصطلح سوق الكانتو
استمرت هذه السيطرة حتى خمسينيات القرن الماضي حين قرر اليهود النزوح إلى فلسطين، فقد بيعت الوكالة بالكامل إلى عائلة كبيرة من الصعيد، ومع الوقت اتسعت الوكالة وتعددت محالُّها وتعدد أصحابها وأصبحت سوقًا كبيرة جدًّا سميت بعد ذلك بوكالة البلح.
وسبب تسمية سوق البلح أن المكان كان سوقًا مخصصة لتجارة البلح الذي كان يأتي إليها عن طريق المراكب الصغيرة التي كانت تصل عبر نهر النيل من جنوب مصر، لكن تجارة البلح بدأت في التراجع تدريجيًّا عن وكالة البلح.
إذن فوكالة البالة أصبحت سوق الكانتو، وسوق الكانتو أصبحت وكالة البلح. أسماء متعددة ولكن اللغرض نفسه وهو بيع المنتجات المستعملة التي كانت تقتصر في الماضي على الملابس، ثم اتسعت إلى كل مجالات الحياة.
وتوجد وكالة البلح الآن في شوارع بولاق أبو العلا، وهو أحد الأحياء الكبيرة والقديمة بوسط القاهرة، حيث يزدحم الباعة على جانبي الطريق وعلى امتداد عدد من الشوارع الجانبية، ولا تجد فراغًا ولا مساحات للعابرين، ولا حتى حدودًا فاصلة بين الباعة الذين يجلسون على الأرض فيما يُسمى فروشات، فلكل بائع (فرشة) يفرشها على الأرض، ويقف عليها لينادي، ويجتمع إليه الناس.
ومن الأمور اللافتة في هذه السوق هي عمالة الأطفال، فالسوق تمتلئ بالأطفال الذين لم يُكملوا عامهم الثالث عشر، ومعظمهم قادم من صعيد مصر، يعمل ليرعى أسرته أو إخوته الأصغر.
ومن المظاهر الموجودة والملاحظة بشدة في هذه السوق هو وجود الأجانب، فدائمًا ما تقع عيناك على أحد الأجانب يقصد المنطقة للاختلاط بالمصريين في مظاهر حياتهم المختلفة، ويلتقط الصور، كذلك تجدهم يبحثون عن أشياء قديمة للشراء على أنها تذكار عند العودة إلى بلادهم، ومن هؤلاء الأجانب من يأتي متسوقًا عاديًّا مثل طلاب الأزهر، الذين يأتون من بلاد إسلامية مختلفة يبحثون عما يتناسب مع إمكانياتهم وظروفهم في شراء قطعة من الملابس أو غيرها.
اقرأ أيضاً السوق.. السوق المفرد وليس السوق الجمع!!
سوق الكانتو بالإسكندرية
ولعل سوق الكانتو بالإسكندرية هي السوق المقصودة في المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه؛ لأن سوق الكانتو بالإسكندرية هي السوق الوحيدة التي ما زالت يحتفظ باسمها القديم نفسه، الذي بدأ منذ أربعينيات القرن الماضي لبيع الملابس المستعملة، والتي بدأت بجمع الملابس المستعملة من معسكرات الإنجليز بالمدينة وبيعها في مكان واحد سُمي بعد ذلك بسوق الكانتو.
فقد كانت مخلفات الجنود والضباط وخصوصًا من الملابس تجارة رائجة في بداية تأسيس هذه السوق، التي اتسعت بعد ذلك لبيع منتجات عدة مستعملة، تفي بحاجة المواطنين الذين لا يقدرون على شراء الملابس الجديدة الغالية من أبناء الإسكندرية، وقد يكون من أبناء الأماكن المجاورة لمدينة الإسكندرية.
وتوجد سوق الكانتو في ساحة في قلب حي العطارين بالإسكندرية حتى الآن، واتسعت لتشمل الملابس المستعملة والمستوردة من الخارج التي تُعرف بتجارة البالة، وهي تجارة أدخلها الإيطاليون واليونانيون والشوام واليهود، وتوارثتها مجموعة من التجار السكندريين الذين كانوا يعملون بالمهنة أو صبيانًا مع الأجانب أثناء الحكم الملكي لمصر وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى.
اقرأ أيضاً الأسباب الحقيقية للخسارة في سوق الفوركس
ذكريات سوق الكانتو
ولأن سوق الكانتو تعج بالبضائع المستعملة، فإنها تعج أيضًا بالذكريات المتراكمة والتاريخ الذي تستطيع أن تفتح له نافذة عن طريق حديثك مع أي من التجار، خاصة كبار السن الذين يملكون محالَّ داخل السوق.
فعندما يتحدث الحاج محمد عبد الصمد، صاحب أحد المحال، والذي ورث تلك المهنة عن جده فيقول لك: كان جدي يعمل في تجارة الملابس المستعملة ومخلفات الجيش الإنجليزي، فكان يذهب لمعسكراتهم في كوم الدكة ومصطفى كامل، وكان يقول إنها كانت ملابس جديدة دائمًا؛ فقد كانوا ينتقلون من معسكر لآخر مخلِّفين وراءهم أغراضًا كثيرة.
ويُكمل الرجل قائلًا: كان أغلب التجار هنا يهودًا، وكان دخول السوق متعة؛ فقد كانت رائحتها تُشعرك كأنك في باريس أو في روما. كان التجار يأتون صباحًا في أبهى الثياب، ويفرزون الملابس ويصنفونها، وكانت الملابس تأتي من الباشوات والأعيان، مثل بذلة فيها قطع صغير، أو فستان به عيب بسيط، فلم يكن أحد يرتدي ملابس مرقعة أو معدلة. وكان يوجد أيضًا أثاث وتحف قيمة؛ فكان الكرسي بسبب ثقله والخشب المشغول به لا يستطيع الفرد حمله.
ويقول أحد التجار: إن الحال تغير بعد ثورة 1952، وأصبح تجار السوق من أولاد البلد، وبدأ أبناء الأرياف يُقبلون على شراء المستعمل، وكان زبائننا من أبناء الطبقة المتوسطة والدنيا؛ فقد كانت حالة الملابس جيدة، وكان من الممكن شراء بذلة غاية في الأناقة بجنيه واحد.
كان كل التجار في السوق شاميين ويهودًا (مني فاتورة)، وكانت العائلات كلها سواء أكانوا مصريين أم إيطاليين أم ملطيين يعرفون بعضهم بعضًا، وكان يوجد احترام كبير بينهم، وكان التعامل مع التجار اليهود جيدًا؛ فهم أصحاب عقلية تجارية ومنظمة، وكان كبير أي عائلة أخرى تسري كلماته على الجميع.
وإلى جانب الملابس المستعملة كان تجار السوق يعملون في الملابس المحلية، وكانت ملابس الخدم والحشم تُصنع لأصحاب الفيلات والقصور، لكن أغلبهم كانوا يشترون ملابس الخدم من الخارج؛ فقد كانت أغلب المربيات من فرنسا وإيطاليا واليونان.
وفي الستينيات والسبعينيات كانت توجد انتعاشة كبيرة. ففي بداية حكم الرئيس جمال عبد الناصر صفَّى الأجانب أعمالهم وهجروا القصور والفيلات، فكانت مقتنياتهم تباع في السوق.
وتواصلت حركة الانتعاش في السوق في عهد الرئيس أنور السادات بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي.
ويُجمِع معظم تجار سوق الكانتو على أن الوضع أصبح سيئًا بعد ذلك.،فمنذ عام 1985 بدأ تدهور الأوضاع في السوق، فكثير من التجار الكبار انتهوا؛ لأنهم لم يحافظوا على أعمالهم، فمنهم من أضاع أمواله على نزواته، أو أفلس باتجاهه إلى المخدرات، وهذا هو رأي أحد تجار السوق وهو الحاج أحمد عبد الصمد الذي يقول إن السوق الآن قائم على تصنيع ملابس ومستلزمات العمال، خاصة ملابس الأمن الصناعي، وتجار السوق يجلسون أمام محلاتهم، ومن يراهم يرثي لحالهم؛ بسبب قلة حركة التجارة وركودها بعد أن كانت سوقا عامرة.
سوق الجمعة
ولأن ثقافة بيع الأشياء المستعملة هي ثقافة إنسانية توجد حيث وُجد الإنسان في كل المجتمعات، فإنها تندرج تحت أسماء عدة.
ففي كل بلد تجد سوقًا شعبية لها رونق خاص يحمل رائحتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، ولا تُعدم هذه الأسواق التي تتنوع من بلد إلى أخرى من المولعين بها وعلى رأسهم مدمنو اقتناء الأشياء القديمة، الذين يفتشون عنها ويتتبعون آثارها، وغالبًا ما يجدونها في مثل هذه الأسواق، ما يدشِّن نوعًا من السياحة لازمت البشرية على مر الأزمنة والعصور، ألا وهي سياحة الأسواق الشعبية، خاصة في مصر.
فغير سوق الكانتو التي تُعد سوقًا دائمة، توجد أسواق أسبوعية تنتشر في مصر وبعض الدول العربية تُسمى بسوق الجمعة. ولعل أكبر أسواق الجمعة في مصر توجد في القاهرة والإسكندرية.
فسوق الجمعة بالقاهرة تُسمى أيضًا سوق السيدة عائشة أو سوق القلعة، وتُسمى أيضًا سوق الثعابين، وهي أشهر سوق لبيع المستعمل في مصر، وارتبطت مع الثقافة المصرية بيوم الجمعة، فهي المكان الذي يمكنك أن تجد فيه أي شيء تقريبًا، وبأرخص الأسعار.
وتُعد وجهة سياحية شعبية لكثير من السياح؛ لرؤية تجارة جميع أنواع الحيوانات والزواحف والطيور والأسماك مهما بلغت خطورتها، ما يُعد أمرًا مشوقًا وجذابًا، إضافة إلى التحف والعملات القديمة التي تُباع هناك في منطقة تُسمى بمنطقة الموتى. وتوجد سوق الجمعة بمنطقة قريبة من قلعة صلاح الدين بحي السيدة عائشة، ويمكن الوصول إليها سيرًا على الأقدام أو بسيارة الأجرة من القلعة.
وتُعقد السوق في شارع التونسي تحت كوبري السيدة عائشة وأمام المسجد. وتبدأ سوق الجمعة من طلوع فجر الجمعة، ويزداد ازدهارها من الساعة 8:00 صباحًا حتى الساعة 2:00 بعد الظهر، وتمتد السوق طويلًا، إضافة إلى امتلاء الحارات بمحالات خاصة بالملابس والعِدد والأجهزة، فلكل شيء منطقة يمكنك السؤال عنها، فتوجد منطقة للأجهزة، ومنطقة للعِدد، ومنطقة للملابس، مع العلم أن تلك الشوارع الجانبية هي منطقة مقابر في الأساس، وهو ما يجعل الأمر أكثر غرابة عند المصريين والأجانب.
وتُعد سوق الجمعة من أشهر وأكبر الأسواق بمصر، فتاريخها يمتد إلى أكثر من 100 عام، وقيل إنها بدأت في عصر الإنجليز بمصر، لكن ليس بالصورة التي نعرفها بها.
وكانت السوق منتشرة في أحياء منطقة السيدة عائشة بِرُمَّتها، وكانت تعاني العشوائية ومشكلات الحرائق المتكررة على مدار العشرين عامًا الماضية، إضافة إلى القضايا الخاصة بالاتجار بالحيوانات المخالفة، لكن الحكومة المصرية تدخَّلت وجمعتهم في شارع واحد بالقرب من المقابر بعد أن فشلت في نقلهم إلى منطقة أخرى مخصصة في مدينة 15 مايو.
وتُعد سوق الجمعة اندماجًا هائلًا لسوق الحيوانات والسلع المستعملة والخردة والتحف.
وتشتهر السوق بأن أسعارها رخيصة جدًّا ومقبولة إلى حد ما، خاصة إذا قارنتها بأسعار المنتجات الجديدة. وأيضًا من خصائص هذه السوق هو وجود أشياء فريدة جدًّا ونادرة ولا يمكن إيجادها في مكان آخر، مثل العملات والتحف القديمة، إضافة إلى أجزاء إلكترونيات نادرة، وذلك بالإضافة إلى الحيوانات العجيبة والغريبة التي لا تخطر ببالك والموجودة بالسوق، فالسوق تُعد وجهة للأسر الفقيرة، ولمن يبحث عن الأشياء الغريبة، ولمن يبحث عن التسلية وقضاء وقت ممتع للتجول ورؤية الحيوانات، وحتى رؤية الأشخاص والبضائع.
سوق الجمعة بالإسكندرية
على مقربة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط في الإسكندرية تقبع سوق الجمعة، أشهر الأسواق الشعبية بالمدينة الجميلة.
خطوات قليلة في السوق حتى ترى عيناك أصنافًا شتى من الأشياء يمتزج فيها القديم بالحديث؛ ساعات وملابس وأساس وأنتيكات وأدوات صحية وأجهزة كهربائية وتحف ونجف، وعملات نادرة وهواتف قديمة وأخرى حديثة، وأدوات صيد وماكينات ولوحات فنية وقطع غيار، إضافة إلى وجود سوق للخضار والفاكهة واللحوم والأسماك وشتى مستلزمات المعيشة، كل هذا في مكان واحد يُسمى سوق الجمعة.
يبدأ الناس في منطقة مينا البصل التي توجد بها سوق الجمعة رحلتهم من مساء الأربعاء حتى مساء الجمعة من كل أسبوع، ويفترش الباعة البسطاء الأرض، ملتصقين بعضهم ببعض صيفًا وشتاءً.
ويأتي إليها البشر من كل الجنسيات رغم أنها من الأسواق الشعبية التي تناسب فئة محدودي الدخل، الذين يبحثون عن كل مستلزماتهم بأقل الأسعار، لكن كثيرًا من محبي التنقيب عن الأشياء القديمة من الأجانب والعرب يأتون بحثًا عن الأنتيكات والمقتنيات النادرة؛ لعلهم يقتنصون تحفة أو قطعة فنية يُرضون بها شغفهم، وكذلك السياح الأجانب الذين يحبون الأشياء الشعبية القديمة والتجول في هكذا مناطق، حيث يفي السوق باحتياجاتهم تمامًا.
ومن اللافت للنظر أن رواد السوق يزدادون يومًا بعد يوم بسبب غلاء الأسعار الذي يعانيه المصريون. وتشهد السوق زحامًا غير عادي قبيل موسم الأعياد. ولا يمكن أن يحول الطقس السيئ أو الأمطار دون قيام السوق، أو يؤثر ذلك في حركة البيع والشراء.
سوق الحرامية في سوريا
وفي سوريا كما في مصر توجد الأسواق الشعبية الدائمة والأسبوعية لبيع المنتجات المستعملة، ومن أشهرها سوق الحرامية في مدينة دمشق، وفي دائرة لا يتجاوز قطرها 200 متر في شارع الثورة، تقبع هذه السوق بهذه التسمية الغريبة منذ عشرات السنين، فالجميع يشتري ويبيع، وأصوات الباعة عالية، ولا يخلو من مضاربات في الأسعار ومشاجرات ومزادات لبيع الأشياء المستعملة.
تقع السوق على أوتوستراد المتحلق الجنوبي بعد الجسر المعروف بجسر الكباس، وتمتد من مفرق عين تروما حتى دوار الكباس، ويعود تاريخها إلى أكثر من 50 سنة، فقد اعتاد بائعو المفروشات القديمة والخرداوات والملابس المستعملة التي يطلق عليها اسم بالة التجمع عشوائيًّا وعرض بضائعهم، إلى جانب من يبيعون أغراضًا قديمة ومستخدمة، واعتاد الناس بدورهم تسوق البضائع الرخيصة والمستعملة كل يوم جمعة من هناك.
أما سوق شارع الثورة التي تمتد من جسر الثورة حتى سوق الهال القديمة، فتباع فيها أغراض مستعملة تتنوع بين الأدوات الكهربائية والهواتف المحمولة والأثاث والملابس. وقد تأسست السوق منذ أكثر من 30 سنة، إذ يروي سكان المدينة أنها بدأت نقطة تجمع لبعض اللصوص والنشالين بهدف تبادل مسروقاتهم، وتحولت مع الأيام إلى سوق كبيرة منظمة يعمل فيها عشرات الباعة ويرتادها المئات يوميًّا، وقد تكون سُميت بسوق الحرامية لهذا السبب.
وتُعد سوق الحرامية عدة أسواق وليست سوقًا واحدة، ولكن يطلق عليها الاسم نفسه؛ لأنه يصعب التأكد من مصدر البضائع التي تُباع في أسواق الحرامية، فمن يقول إنها مسروقة، وآخرون يؤكدون أن أصحابها غير الراغبين بها يبيعونها لهؤلاء التجار بأرخص الأثمان.
ولا يمكن التأكد من أصل تسمية هذه الأسواق، فيوجد من يقول إنها ناتجة عن مصدر ما يباع فيها، ويقول آخرون إن تلك البضائع تُباع بأسعار غالية نسبة إلى سعرها الحقيقي، وهذا ما دفع مرتادي السوق لتسمية الأسواق بأسواق الحرامية. ولا يمكن الجزم بأن البضاعة التي تُباع فيها كلها مسروقة؛ لأنها تباع علنًا ودون رقابة، لكنها أشياء مستعملة على أية حال.
ولهذه الأسواق قوانينها الخاصة التي لا تشبه بقية أسواق المدينة، فما يباع فيها لا يُرد ولا يبدل وهو ما يسمى (بيع على البحر)، وهي إلى ذلك تتبع قانون بورصة سوق الحرامية، فالباعة يتفقون على سعر محدد لكل قطعة -ولا سيما الهواتف المحمولة- يُمنع تجاوزه ضمنيًّا، وقد يتعرض من يخالف هذه البورصة لمضايقات تصل حد دفع غرامات للبائعين الآخرين.
وقد ازدهرت حركة البيع في أسواق الحرامية في الأعوام السابقة للثورة السورية، فيما يمكن النظر إليه على أنه مؤشر لتدهور الوضع الاقتصادي لآلاف العائلات التي تسكن دمشق والعشوائيات المحيطة بها. فقد تنوعت البضاعة التي تُباع في سوق الكباس وازداد عددها لتشمل الخضراوات والفواكه من النوعية السيئة، والطيور والحيوانات التي يُمكن أن تكون ضائعة ومسروقة، وصولًا إلى بعض ما يمكن الحصول عليه من حاويات قمامة الأحياء الراقية.
واتسعت السوق لتمتد فوق الطريق المخصص لمرور السيارات، وتتسبب بازدحام طالما اشتكى منه المارة وسكان المناطق المجاورة، التي تشمل أحياء الدويلعة وكشكول ومدينة جرمين، وتتحدث مواقع سورية رسمية عن مخطط مزمع لإزالة سوق الحرامية، ما أثار استهجان آلاف العائلات التي تعد السوق مصدر رزقها الوحيد أو مصدر حصولها على بضائع رخيصة.
سوق العصر بتونس
ولعل التسمية تبدو غريبة للوهلة الأولى (سوق العصر). فقد يُخيل للبعض أنك تتحدث عن إحدى الأسواق العصرية حيث تُعرض المنتوجات الجديدة والأساس الحديث، ولكن الصورة هنا مخالفة لذلك تمامًا.
فهذه السوق موجودة على مقربة من أفقر أحياء تونس العاصمة (حي هلال، وحي الملانين، وحي السيدة)، وتظهر هذه السوق المقولة الشهيرة «يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر» فقد يعثر أحدهم هنا بعد عملية فرز وبحث مطولة على قطعة يعيد بها الحياة لإحدى آلاته الكهربائية، ويصلح بها ما تعطل من أدوات منزلية، إذ يجد الكل ضالته في هذه السوق وبسعر زهيد، فيمكن أن يقتني ما لا يمكن أن يجده في أي مكان آخر، ولو كان ذلك في أحد المحال الرفيعة.
ويُقبل التونسيون إقبالًا كبيرًا على هذه السوق التاريخية، خاصة أغلب أصحاب الحرف الذين ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة. ويوجد أناس يبحثون دائمًا عن المنتجات القديمة غير المتوفرة في المحال الجديدة؛ لأنهم يؤمنون بأن المنتجات القديمة تدوم أكثر، وهي ذات صلاحية أكبر، على عكس المنتجات الجديدة.
فعلى مدار أكثر من 100 عام استمرت سوق العصر لبيع المستعمل والخردة، وعُرفت بأنها سوق الموالي أي الفقير باللهجة التونسية، فهنا لا يبالي الباعة بحالة الطقس مهما كانت صيفًا أو شتاء، ويأتي إليها المشترون من كل حدب وصوب.
وفي أحد التقارير لوكالة الأناضول تتحدث فيه عن مجال التراث قالت: إن هذه السوق الشعبية كانت سوقًا صغيرة تلتئم بين صلاتي العصر والمغرب في إحدى بطاح العاصمة التونسية، ثم تطورت بعد الاستقلال، وكانت متخصصة في بيع الخردة والأجهزة القديمة والمستعملة، وإن هذه السوق لم تكن موجودة قبل العهد الحسيني على غرار أسواق المدينة العتيقة، ولكن سوق العصر تطورت بالصورة التي هي عليه، خاصة بعد استقلال تونس عام 56، وكانت متخصصة في بيع الأساس والسلع القديمة.
وما يميز هذه السوق أنها بقيت على ملامحها القديمة حتى الآن، ولكن تبقى دائمًا مطالب الباعة الموجودين في سوق العصر بتحسين أوضاعهم المعيشية، خاصة وأنهم من ذوي الدخل المحدود وليس لديهم مورد رزق غير الاقتياد ما يبيعونه في هذه السوق، فقد تتحقق يومًا مطالبهم وقد لا تتحقق.
سوق المطلقات في موريتانيا
وتُعد سوق المطلقات في موريتانيا من أشهر الأسواق التي تبيع الأثاث المستعمل، إضافة إلى أشياء أخرى أُلحقت بآلية العمل في هذه السوق التي يُعد اسمها وحده كافيًا للشعور بالغرابة الشديدة. فلماذا سُميت بهذا الاسم؟! وما طبيعة المعروضات في هذه السوق التاريخية؟
سوق المطلقات بالعاصمة الموريتانية نواكشوط هي إحدى الأسواق التي تبيع المستعمل، بل تُعد أشهر الأسواق المخصصة للمفروشات والأثاث المنزلي.
بدأت السوق عملها في سبعينيات القرن الماضي، فقد كانت تُعرف بسوق الرحمة، وكانت توفر لمتوسط الدخل الأواني والملابس المستعملة والمفروشات بأسعار رخيصة؛ ولذلك أصبحت قبلة لكل من يريد أن يبيع أثاثه المستعمل. ولكن من أين جاءت تسمية سوق المطلقات؟
لماذا سمي السوق بهذا الاسم؟
نظرًا لأن ظاهرة الطلاق تُعد ظاهرة طبيعية جدًّا ومنتشرة انتشارًا كبيرًا في دولة موريتانيا، ولأن المطلقة غالبًا ما تعود لبيت أسرتها؛ لذلك تبيع مقتنيات المنزل أو ما يُسمى بالعفش، الذي تقضي العادات والتقاليد في موريتانيا أن يبقى للزوجة المطلقة بعد الطلاق. ومع كثرة تردد المطلقات على السوق لبيع أثاث أو مفروشات المنزل بعد الطلاق درج الناس على تسمية السوق بسوق المطلقات.
وقد تجد من بين البائعات داخل السوق من هن مطلقات فعلًا؛ فالطلاق في موريتانيا يُعد شيئًا عاديًّا، ويحدث طبيعيًّا أن تُطلق المرأة مرة وتتزوج مرة أخرى، ويمكن أن تُطلق مرة أخرى وتتزوج مرة ثالثة، وكذلك فإن لسوق المطلقات حاجة اجتماعية ومنفعة كبيرة.
وتوفر السوق فرصة كبيرة للأسر التي لا يمكنها توفير ثمن الفراش المرتفع بأسعار تناسب دخلها؛ فمعظم البضائع التي توجد في السوق، التي تخص المطلقات، هي بضائع بحالة جيدة وبأسعار مناسبة.
وفي السنوات السابقة كانت السوق أكثر رواجًا مما هي عليه الآن. فعندما تدخل إحدى المطلقات إلى السوق لتبيع ما تملك من أثاث تنهال عليها العروض، ويتسابق إليها الباعة لشراء ما تملك.
وقد يقيمون عليه مزادًا للوصول إلى أعلى سعر، وهو ما يكون في صالح المرأة المطلقة. أما الآن فإن الحال لم يعد كما كان بالسابق. ورغم شهرة سوق المطلقات فهي تعاني من العشوائية، وهو ما عرضها لعدة حرائق متكررة، ثم جاء وباء كوفيد الذي انعكس على السوق على نحو قاسٍ، فزاد العرض ونقص الطلب.
وهكذا فإن فكرة بيع وشراء المنتجات المستعملة هي فكرة إنسانية تمامًا، توجد حيث يوجد الإنسان، وتأخذ أشكالًا وأسماء متعددة حَسَبَ المجتمعات والثقافات المختلفة، وهي فكرة اقتصادية في المقام الأول، لكن لها جوانب ثقافية واجتماعية ونفسية كبيرة تستحق الدراسة والتعامل معها على نحو أعمق.
فعندما يبيع الإنسان شيئًا يملكه فإنه يتنازل أو يقايض جزءًا منه، وعندما يشتري الآخر هذا الشيء المستعمل فإنه قد يكون احتفظ بجزء من إنسان آخر.
فقد يكون الإنسان بعملية شراء المستعمل من سوق الكانتو يصنع بداخله سوقًا أخرى موازية يبيع فيها أو يقايض جزءًا من ذكرياته، ويشتري أو يقايض جزءًا من ذكريات شخص آخر. فقد يكون الإنسان هو الآخر سوقًا للكانتو.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.