سوق الظلام

«أنا الآن في غرفة مظلمة، أنتظر الموت».

لم يعد الخوف يسري في عروقي، فقد فقدت القدرة على الشعور منذ وقتٍ طويل. كنت يومًا ما طفلًا، أركض في الشوارع الضيقة، ألعب، أضحك، أحلم، لكن الأحلام لا مكان لها هنا. في هذا المكان، لا وجود للطفولة، ولا للبراءة، ولا للرحمة.

«رقم 27، دورك».

هذا هو اسمي الآن. مجرد رقم محفور على معصمي كعلامة ماشية تُقاد إلى الذبح. لا أذكر اسمي الحقيقي، ربما نسيته، أو ربما انتُزع مني كما انتُزعت طفولتي.

فُتح الباب الحديديُّ بصوتٍ أشبه بطعنةٍ في الظلام، وضوء باهت انساب إلى الداخل، ليكشف وجوهًا هزيلة، عيونًا غارقة في الظلام، أجسادًا نحيلة مكومة في الأركان. كان بعضهم يتنفس بصعوبة، وآخرون لم يعودوا بحاجةٍ إلى التنفس بعد الآن.

يدٌ قوية أمسكت بي، سحبتني إلى الخارج. كنت أعرف إلى أين يأخذونني. رأيت ذلك يحدث عشرات المرات من قبل، كلما جاء الدور على أحدنا. كانوا يقتادونه عبر الممر الطويل، ثم يختفي إلى الأبد. كنا نسمع صراخه مرةً واحدة، ثم لا شيء... الفراغ.

«امشِ».

لم يكن هناك داعٍ للأمر. لم أعد أملك إرادة للمقاومة. قدماي تحرَّكتا بثقلٍ نحو المصير الذي لا مفرَّ منه. مررنا بممر طويل تفوح منه رائحة المطهرات والدم. على الجدران، كانت هناك صور، لكنها لم تكن لموتى.. بل لأشخاص يبتسمون، يحملون حياة جديدة حصلوا عليها من أجسادٍ مثل أجسادنا.

«هذا الصغير حالته جيدة، كليتاه سليمتان، وعيناه أيضًا... يمكننا تحقيق سعر جيد».

«أليس صغيرًا جدًا على ذلك؟».

«لا يوجد صغير أو كبير في هذا العمل، هناك فقط مشترون ودافعون».

كم ثمن جسدي؟ كم يساوي قلبي؟ رئتاي؟ هل سأكون قطعةً في جسد رجل ثري؟ أم سأصبح مجرد بضاعةٍ مجهولة في قائمة بيع؟

دخلنا غرفة أخرى، أكبر، بيضاء بالكامل، جدرانها باردة مثل الموت نفسه. رأيت طاولة معدنية في المنتصف، وأجهزة لم أفهمها، لكني أدركت وظيفتها. إلى اليمين، كان هناك جسد صغير مسجى، رأسه مائل إلى الجانب، عيناه نصف مفتوحتين، نظرة زجاجية تملؤهما.

لقد رأيته من قبل. كان معنا هنا. كنا نتهامس في الظلام، نحاول التمسك بشيء من الأمل، لكنه رحل الآن. رحل كما سيرحلون جميعًا... كما سأرحل أنا.

«ضعوه هنا».

دُفعتُ نحو الطاولة، لم أقاوم. كانوا يعلمون أنني لن أقاوم. لماذا أفعل؟ لا أحد يسمع صراخي. لا أحد يهتم.

شعرت بوخزة في رقبتي، ثم بدأ العالم يدور، يتلاشى. كان آخر ما سمعته صوت الطبيب يقول بهدوء:

«استعدوا للعملية».

ثم... لا شيء.

هذه ليست مجرد قصة، بل حقيقة تتكرر في أمكنة لا نعرفها، أو ربما لا نريد أن نعرفها. آلاف الأطفال يختفون سنويًا، بعضهم يُباع عبيدًا، بعضهم يُستغل في أعمالٍ بشعة، وبعضهم يتحول إلى بضائع تُقطع وتُرسل لمن يدفع أكثر.

في عام 2013، تم كشف شبكة دولية لبيع الأطفال في الصين، حيث اختُطفوا من شوارع الفقراء وبيعوا لأثرياء يبحثون عن «وريثٍ» جديد، أو لصيادلة يبحثون عن أعضاء بشرية طازجة.

في عام 2019، اختفى أكثر من 10.000 طفل لاجئ في أوروبا، لم يُعثر لهم على أثر. بعضهم انتهى في بيوت الدعارة، وبعضهم أصبح جزءًا من هذه التجارة القذرة، حيث تُقتلع الحياة من جسدٍ لتُزرع في جسدٍ آخر.

في عام 2021، اكتشفت الشرطة الإيطالية مختبرًا سريًا تحت الأرض، حيث كانت تُجرى عمليات زراعة أعضاء غير قانونية، بأجساد لم تسنح لها الفرصة لتكبر.

هذه الأرقام ليست مجرد أرقام... هي أرواح، أحلام، ضحكات كان يمكن أن تستمر، لكنها انطفأت في غرف مظلمة، تنتظر الموت.

إن كنت تقرأ هذه الكلمات الآن، فتذكر أنه لا يزال هناك طفل... ينتظر دوره.

لكن من يسمع صرخته؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

نعم هذة هى الحقيقة
ولكنها بشعة ليتها كانت
مجرد قصة؟
تحياتى وتقديرى لك على
هذا السرد الرائع 🙏
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أشكرك على لطفك وذوقك الرفيع، وعلى قراءتك المتأنية التي أعتز بها
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

رائع
ننتظر المزيد ❤️
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة