في زمن الأزمات الكبرى، تنبت الخرافات كما تنبت الفطريات على الجدران المهملة.
تعيش مجتمعاتنا العربية اليوم تحت وطأة وهم شديد الخطر، يزرع الرعب ويشلُّ الإرادة: إنه وهم نظرية المؤامرة.
لسوء الحظ، يقود هذا التيار التدميري جماعات من أشباه المثقفين، ممن وجدوا في وسائل التواصل الحديثة كـ«يوتيوب» و«تيك توك» تربة خصبة لنشر الجهل واصطياد العقول الغافلة.
هم لا يسعون للبحث عن الحقيقة، بل يسعون وراء كسب المتابعين وتحقيق الأرباح السريعة، مهما كان الثمن: حتى لو كان الثمن هو مستقبل أمة بِرُمَّتها.
إنهم يُقنعون البسطاء أن كل ما يحدث في حياتهم -من فشل، فقر، مرض، عجز- إنما هو نتيجة «مؤامرة كونية» كبرى، ما يُغرق الناس في دائرة الخوف والعجز بدلًا من دفعهم نحو العمل والإبداع والتفكير النقدي.
والكارثة الأعظم أن كثيرًا من هؤلاء المروجين، عند الفحص، يتضح أنهم ضعيفو التعليم، هشّو الفكر، لم يتذوقوا يومًا طعم البحث العلمي أو المنهج العقلي المنظم.
هم أنفسهم ضحايا جهلهم، لكنهم أصبحوا فاعلين في تدمير وعي غيرهم.
الحقيقة العلمية:
من منظور علمي فلسفي، لا يمكن إنكار أن العالم يحوي توازنات مصالح ونزاعات خفية - هذا طبيعي.
لكن تحويل كل ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية أو علمية إلى «مؤامرة مدبّرة» هو تبسيط ساذج للعالم،
يهرب من التعقيد الحقيقي للأحداث ويُرضي الحاجات النفسية للعاجزين الذين يبحثون عن «عدو خارجي» كي يبرروا به إخفاقاتهم.
العقل العلمي لا يبني معتقداته على الشكوك الهلامية ولا على القصص المتناقلة، بل على:
الأدلة القابلة للاختبار.
التحليل المنطقي الصارم.
النظر النقدي الدائم، بما في ذلك نقد الذات قبل نقد الآخر.
العقل الروحي الفلسفي كذلك لا يغرق في الخوف من «المؤامرة»، بل يرى أن كل تجربة، حتى الصراع، هي فرصة للنمو، لا ذريعة للشكوى.
الحل والرسالة:
ندعوكم إلى أن تكونوا شعلة نور في هذا الظلام:
عودوا إلى العلم الحقيقي: اقرؤوا الفيزياء، الرياضيات، علم النفس، التاريخ النقدي.
مارسوا التفكير المنطقي: لا تصدقوا إلا بعد دليل وتحقيق.
ارفضوا الخوف الجماعي المصطنع: الخوف وقود لمن يريد أن يسرق أعماركم وأحلامكم.
كونوا مسؤولين عن وعيكم: العقل هو أمانة، فلا تسلموه لمن لا يعرف حتى كيف يحمي نفسه من جهله.
خاتمًا.. إن سمَّ المؤامرة ينتشر حين يغيب العلم، وحين يخفت نور التفكير النقدي.
احموا عقولكم كما تحمون أجسادكم.
لا تجعلوا الخوف صيادًا لأحلامكم.
لا تنتظروا خلاصًا من الخارج، فالخلاص الحقيقي يولد من الداخل: من نور العلم، من شجاعة التفكير، من قوة الوعي.
تذكروا: العقل الذي لا تحكمه المعرفة، تستعبده الخرافة.
فأي طريق تختارون؟
👍👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.