كنت قريب الصلة بالفنانة الكبيرة مديحة يسري الملقبة بـ"سمراء النيل" في سنواتها العشر الأخيرة، وكثيرًا ما تألمت من اشتداد وطأة المرض التي عانت منه قبل رحيلها في سنواتها الأخيرة.
أوجاعًا لا يتحملها سوى الشجعان، بعد اشتداد الآلام المبرحة في الظهر والساقين، نتيجة إصابتها بمرض هشاشة العظام المزمن الذي لازمها في سنواتها الأخيرة.
اقرأ أيضًا في ذكرى وفاتها.. السيرة الفنية لسمراء النيل مديحة يسري
رحلة المرض
كنت بالقرب منها، وتمكنت من متابعتها طوال رحلة المرض، وعندما كان يتعذر الاتصال بها، كنت أبادر بالذهاب إلى منزلها أو المستشفى في أطراف القاهرة للاطمئنان من سكرتيرتها، بل في عدة مستشفيات.
لم تخلُ من زيارات كثيفة لنجمات الفن من أجيال عدة، منهن يسرا، نبيلة عبيد، فردوس عبد الحميد، ميرفت أمين، وروجينا، حتى إنني كنت شاهدًا على ضحكة واهنة من "ماما مديحة" وهي تقول لهن: كيف علمتم بدخولي المستشفى في هذا المكان الهادئ!
اقرأ أيضًا دوامات مديحة يسري مابين ضياع الثروة وطلاق الأزواج ووفاة الأبناء.
زيارات نجلاء ونبيلة
عن الذين داوموا على زيارتها والسؤال عنها من أهل الفن قالت لي قبل الرحيل: إن الفنانة الجميلة نجلاء فتحي لا تغيب عنها أبدًا، وأنها سبق وأن كانت في دولة أوروبية وعلمت بوجود حقنة تسكن المرض مدة ستة أشهر، فاشترتها من أجلها، وركبت الطائرة.
ومن المطار في يدها حقيبة الثلج تحتضن الحقنة وتضمها إلى صدرها، ومن الطائرة إلى شقة السمراء في مدينة المهندسين بالجيزة (جنوب العاصمة) مباشرة، حيث استدعت أحد الأطباء من مستشفى شهير قبل أن تفسد الحقنة مرتفعة الثمن، وكررتها مرتين في زيارات خارجية لها، حتى أصبح العلاج متوفرًا في مصر، ولكن حالة السمراء هي التي أصبحت تستعصي على العلاج.
أذكر أن النجمة الكبيرة في آخر حواراتها معي على الرغم من آلام المرض التي اشتدت عليها، أنها أيضًا لا تنس الإرهاق الذي سببته للفنانة نبيلة عبيد بزياراتها المتواصلة، وكذلك يسرا.
وأضافت بتأثر "أنني لو كان عندي "بنت" ما فعلت ما فعلته نجمات الفن الجميلات"، قبل أن تتوجه إليهن بدعواتها القلبية ألا يرين مرضًا في حياتهن، أيضًا ذكرت أن من بين من ترددوا عليها الفنان عزت العلايلي.
في السياق نفسه أذكر أنني في زيارة لها دار بيني وبينها حوار هو أقرب إلى حديث الأبناء.. قلت لها: كيف تقيمين مسيرتك الفنية في نصف قرن من الزمان؟
أعجبها السؤال وكأنها كانت تنتظره، داهمتها دمعة شاردة من عينيها مسحتها برفق قبل أن تسقط على وجنتيها، وكأنها جرت من بين أصابعها سنوات العمر قبل أن يأتيني صوتها خافتًا واهنًا: "أنا أعلم أن هناك من يحسدني على طول العمر، هؤلاء لا يضايقوني وسوف أضايقهم أكثر بقولي إنني لم أعش 90 عامًا فقط، بل إنني عشت ألف عام!".
اقرأ أيضًا كيف جسدت السينما شخصية المحامي؟
بصمة لا تُمحى
ثم راحت تكشف ما استشعرت أنه يضايق حسادها: لقد عشت بين عمالقة أو كنت قريبة الصلة من ملوك وزعماء وبسطاء في الفن والأدب، كنت محبوبة من الجميع نجومًا وكومبارس، لم أهدر عمري هباء.
قدمتُ ما أضاف إلى عمري مئات السنين، ولم أقدم عملًا أخجل منه، راضية تمامًا عن مسيرتي، مثَّلت بلدي وعروبتي في مهرجانات عالمية، منحتني صحافة العالم كثيرًا من الألقاب، أعتز منها بلقب "سمراء النيل" فهو يشرفني، ارتبط اسمي بأعظم الرجال، وأتصور أنني تركت بصمتي على الجميع.
لم تكسرني الأحزان ولم تكسرني المعوقات؛ لأنني كنت ممتثلة لمشيئة الله، اختبرني الله سبحانه بفقد الابن ومحنة المرض التي رافقتني نصف سنوات عمري.. ولو كنت في عافيتي ما تركت الفن يومًا واحدًا؛ لأنه رسالتي إلى العالم.
يُذكر أن مديحة يسري اختارتها مجلة "تايم" الأمريكية واحدة من أجمل عشر نساء في العالم، وجسدت دور البطولة السينمائية أمام أكبر 4 مطربين في مصر وهم: محمد عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، وبالطبع أول أزواجها محمد فوزي.
أما عن العمل السينمائي الذي كانت تعده الأقرب إلى قلبها؛ فعلى الرغم من صعوبة السؤال، لكنها أجابت أنه فيلم "إني راحلة" الذي شاركها بطولته الفنان عماد حمدي.
وعن ذكرياتها وكواليسه قالت إن مؤلفه الأديب يوسف السباعي كان من بين أصدقائها المقربين، وإنه أهداها القصة مقابل أجر رمزي لثقته في أنها خير من يجسده، وهو ما تم بإخراج متقن من عز الدين ذو الفقار، وبعد عرض الفيلم تلقت رسالة أن الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر قد شاهد الفيلم وتأثر للغاية بأدائها فيه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.