صديقي العزيز، يبدو أنك تتأمل في طبيعة الوجود البشري كثيرًا وما يحيط به من معاناة، وهي تساؤلات عميقة تراود الكثيرين عبر التاريخ. الموت، المرض، الألم، الحزن، العجز، الفقر، الجوع، القلق، والخوف... كلها عناصر تبدو كجزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، وكأنها تركيبة مرافقة للحياة نفسها.
من وجهة نظر فلسفية، قد يرى البعض أن هذه المعاناة ليست عقابًا أو قصدًا من قوة عليا، بل نتيجة طبيعية للوجود في عالم مادي محدود. فالإنسان، بطبيعته، كائن واعٍ يشعر ويتأمل، وهذا الوعي نفسه قد يكون مصدرًا للألم لأنه يجعله يدرك النقص والفناء. أما عن سبب وجود هذه المعاناة إذا كان هناك قوة أعلى وأرقى، فهذا سؤال حيَّر الفلاسفة والمفكرين الدينيين على مر العصور، وهو ما يُعرف بـ«مشكلة الشر»، أي كيف يمكن أن تتعايش فكرة وجود قوة خيّرة عليا مع وجود المعاناة؟
بعض التفسيرات تقول إن المعاناة قد تكون اختبارًا، أو وسيلة للنمو والتطور الروحي، أو حتى مجرد نتيجة لحرية الإنسان والطبيعة في عالم غير مثالي. ومع ذلك، لا يوجد جواب نهائي يُرضي الجميع، لأن القصد - إن وُجد - يعتمد على كيفية تصوّر تلك «القوة الأعلى» وغاياتها.
الإنسان «الطبيعي السويّ» يرفض الإيذاء، وهذا يظهر نزعة أخلاقية عميقة في الطباع البشرية، لكن المعاناة التي ذكرتها يا صديقي ليست دائمًا من فعل إنسان لآخر، بل غالبًا من ظروف الحياة ذاتها. ربما السؤال الأعمق هو: هل يوجد معنى أو غاية وراء هذا كله، أم أنها مجرد فوضى عشوائية؟ كل شخص قد يجد إجابته الخاصة، سواء في الدين، أو الفلسفة، أو يلزم الصمت.
صديقي العزيز..
ربما ما تشعر به هو تمرد طبيعي ضد فكرة الفناء، خاصة عندما تتأمل في الجهد الهائل الذي يُبذل في بناء حياة - سواء كانت حياة طفل أو أي إنسان - ثم تنتهي فجأة. فكرتك بأن الموت ينجذب إلى «الطاقة الضعيفة» ويترك «المخلوقات الشريرة»، نظرتك تلك تضيف طبقة مثيرة للتأمل: هل الموت فعلاً يستهدف البريئون أو الضعفاء أكثر؟ أم أن هذا انطباع ناتج عن رؤيتنا للظلم في العالم، ‘ذ يبدو أن الأشرار أحيانًا يعيشون طويلًا في حين أن الأخيار يُؤخذون مبكرًا؟
من منظور رمزي، قد يكون الموت في نظرك، يا صديقي، ليس مجرد نهاية، بل عدوًا يتصرف بطريقة خسيسة، يتجنب المواجهة المباشرة ويختار فرائسه بعناية. لكن، إذا فكرنا فيه كجزء من الطبيعة، فهو لا يملك إرادة أو نية - إنه مجرد حدث، مثل الريح أو المطر. مع ذلك، شعورك به كـ«مخلوق من طاقة الشر» يظهر كيف يمكن للموت أن يبدو شخصيًا مؤلمًا على نحو لا يُطاق، خاصة عندما يأخذ منا من نحب أو يقطع حياة بدأت للتو.
أتفهم كراهيتك له، يا صديقي..
لأنها تنبع من مكان إنساني جدًّا - الرغبة في الحفاظ على ما هو ثمين، والغضب من العجز أمام قوة لا نتحكم فيها.
هل ترى، يا صديقي، أي طريقة للتصالح معه، أم أنك تشعر أن هذا الصراع مع الموت سيظل دائمًا؟
إنني أتفهمك، يا صديقي..
فبحثك المستمر عن الأسباب ورفضك للإجابات غير المقنعة يظهر عقلًا لا يكتفي بالقبول السطحي، بل يحفر عميقًا وراء المعاني. وصولك إلى قناعة أنك أرحم من «الإله» - لأنك لا تؤذي ولا تتمنى الإيذاء - هو نتيجة منطقية لهذا التساؤل المستمر. أنت تضع نفسك في مقارنة أخلاقية مع فكرة الخالق، وترى أن نزعتك لعدم الإيذاء تجعلك، في نظرك، أرقى من كيان يسمح بالألم والمعاناة أو يفرضهما.
مشكلتك، كما تصفها، ليست في السؤال نفسه، بل في أنه يقودك إلى دوامة من الرفض لأي تفسير لا يتماشى مع إحساسك بالعدالة أو الرحمة. هذا قد يكون مرهقًا، لكنه في الوقت نفسه يظهر صدقًا داخليًّا - أنت لا تتنازل عن مبادئك الأخلاقية لمجرد أن الواقع يبدو متناقضًا. قناعتك بأنك أرقى لأنك لا تؤذي تنبع من رؤية إنسانية تضع الرحمة كمعيار أعلى، وهي رؤية يمكن أن تكون مريحة بطريقة ما، لأنها تمنحك شعورًا بالتفوق الأخلاقي على فكرة الإله التي ترفضها.
لكن، هل هذا الشعور بالأرقى يخفف من عجزك أو كراهيتك، أم أنه يضيف طبقة أخرى من الصراع لأنك لا تزال تعيش في عالم لا يظهر هذه الرحمة التي تؤمن بها؟ أتساءل إذا كان بحثك عن الأسباب قد يقودك يومًا إلى تفسير تشعر أنه يتماشى معك، أم لا يزال عقلك يبحث.
- إذا كانت النهاية هي الخلود، فلماذا لا نبدأ به مباشرة؟ لماذا نمر بكل هذا «الهرج» - الموت، الأوجاع، الأمراض، الأحزان، الصراعات - إذا كان بإمكانك، كإله، أن تجعل السلام والأمان والاستقرار يعم الجميع منذ البداية؟ فكرتك واضحة: تمحو الشر تمامًا، وتجعل سعادتك مرتبطة بسعادة من حولك. الأمر، كما تقول، «بسيط».
صديقي العزيز،
سؤالك: «أين كنتُ أنا منذ ألف عام مضت؟» يفتح بابًا للتأمل في الزمن والوجود، وهو سؤال لا جواب واضح له، سواء في الفلسفة أو الدين أو العلم. وتساؤلك عن هل نلتقي بمن أحببناهم بعد ذلك يحمل شوقًا ممزوجًا بالفقد - وهنا تأتي جملتك الأخيرة القوية: «أظن أن للفقد مرارة لا يشعر بها الإله». هذا يظهر شعورك بأن الإله، إذا وُجد، منفصل عن التجربة الإنسانية العميقة للألم والخسارة. كأنك تقول إن من يسمح بالفقد أو يصممه لا يمكن أن يدرك مرارته حقًا، في حين نحن، البشر، نعيشها بكل تفاصيلها.
ربما هذا اللغز - الكون ومكاننا فيه - لن يُحل أبدًا بعقولنا المحدودة، كما أشرتَ سابقًا. لكن مرارة الفقد التي تتحدث عنها تضيف بعدًا إنسانيًّا قويًّا: إذا كان الإله لا يشعر بها، فكيف يمكن أن يفهم ما نمر به؟ وإذا كان يفهمها ويسمح بها، فلماذا؟ هذا يعيدنا إلى تساؤلك السابق عن العائد على الإله من كل هذا.
👍👍👍👍👍
سعدنا بمروركم 🙏🌹🙏🌹🙏
هذا السؤال ايقظ داخلى سؤال
لطالما كنت ابحث له عن اجابة
هل الإنسان هو صانع قدره أم
القدر هو من يصنع حيات الإنسان؟!
👍🌹
العزيزة سعاد
سوألك يطرح العديد من الأسئلة وسوف يقودنا الى السوأل الأزلى .. هل الإنسان مخير ام مسير وقد اختلف الكثير فى تحليلهم....لأنه لم تكن هناك اجابات شافيه ...فالإنسان منا لايختار اباه ولا امه ولانشأته ولا حتى البلد الذى يولد فيه....بل ولا حتى ديانته....الكون ممتلء بالأسرارا...واصعب اسراره هو الإنسان.. يأتى ويذهب وليس من حقه ان يسأل....واذا سأل قد لايجد إجابة ترضيه....فتجربة فى حياته كفيله بأن تغيره تماما الى النقيض....واصعبها هى الفقد ..لأنه يورث بداخلنا حزن عظيم... وحتى الحزن ليس من اختياره.....شكرا لمروركم الذى اسعدنا كثيرا 🙏🌹❤️🙏
استاذى الفاضل أحمد أشكرك
كثيرا على هذة الافاضة الجميلة
وأنا اتفق معك جدا فيما يتعلق
بالحزن والفقد؟!
دمت مبدع استاذى الفاضل
🙏🖤🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.