إن أول ما يسترعي الانتباه في المسكوكات -من أي معدن كانت- تلك النقوش والكتابات الهامشية أو تلك التي تحتل المركز، وكذلك الدوائر التي تحيط بها في نظام معين، فكيف كانت تنقش تلك الكتابات؟!
لا شك أنها كانت نتاج سكك من حديد حُفرت عليها بشكل معكوس النقوش والكتابات، وكانت هناك سكة ثابتة على مسند وأخرى متحركة ربما لها مقبض، وتوضع قطعة المعدن المراد تحويلها إلى مسكوكة بين السكتين بعد تسخينها لتكسب شيئًا من الليونة، ثم يضرب عليها بمطرقة ليطبع النقش وتظهر النصوص على وجهيها بالوضع الصحيح.
مسكوكات النسخ المصبوبة
والسؤال؟ ما مدى الانتفاع من هذه السكك للخروج بأعداد كبيرة من المسكوكات ذات نمط واحد تحمل التاريخ نفسه؟ هل كانت تنقش كل سكة منفردة لوحدها أم كانت هناك وسيلة أخرى لصنع السكك بالجملة وبأعداد كافية لتغطية حاجة الإنتاج والإصدار؟
إن الأخذ بفكرة نقش كل سكة على حدة وسيلة بطيئة قد لا تتطابق مع حاجة الدولة الملحة إلى إنتاج المسكوكات اللازمة لتغطية نفقاتها فضلًا على حاجة التجار، ثم إن الضرب بسكة محفورة حفرًا مباشر يحتاج إلى نسخ كثيرة منها تتناسب مع كميات المسكوكات التي تستطيع أن تتولى دار الضرب القيام بها بالسكة الواحدة المحفورة حفرًا مباشرًا.
إن توفير هذه النســخ من اختصــاص النقاشــين، ومن البــديهي أن هذه المهنة لم تكن من المهن المتيسرة لأن صاحبها بحاجة إلى زمن طويل للمران عليهــا لا يشتغل بشــيء سوى نقش الســكة ليتمهر فيــها بكـــثرة إدمـانه فلا يحكيه الزغليون.
ثم إن مثل هذه السكك المحفورة مباشرة لا تستطيع أن تقاوم عمليات الضرب المستمرة مدة طويلة دون أن تتعرض للتشقق والبلى، وعلى ذلك لا بد من وجود أبدال تلجأ إليها دور الضرب وربما من المعقول أن يتوفر في دور الضرب ما يكفي من نسخ السكة (المصبوبة) التي يتم الحصول عليها عن طريق نسخها من السكة الأصلية المنقوشة بالحفر المباشر التي يرتئي الدكتور عبد الرحمن فهمي تسميتها (القالب الأم).
كيف يكون صُنع النسخ المصبوبة؟
اغلب الظن أن عملية صنع هذه النسخ يكون بعمل سكة من مادة الرصاص الذي يمتاز بالليونة حيث سهولة الحفر عليه، وفي حالة حصول خطأ في نقوش أحد الوجهين من السكة يمكن صهره بسهولة وإعادة نقشه من جديد، ومن ثم يُعمل على هذه السكة قوالب من مادة الطين وتجفف، ثم تحرق وتصبح في ذاتها قوالب مشتقة من السكة الأصلية المحفورة.
ومن السهل بعد ذلك إذا ما وضعت القوالب المشتقة في أسطوانات معدنية أن يصب على وجهها مصهور الحديد بارتفاع النسخة المراد تشكيلها، وبالإمكان أن يصب على النسخة المشتقة نسخ أخرى متكررة حسب الحاجة، إنها على ما يبدو أسرع وسيلة للحصول على نسخ مصبوبة عن النسخة الأم الأصلية، وربما هي الوسيلة التي شاع استعمالها في صنع نسخ مقولبة عن السكة الإســـلامية منذ العصر الأموي.
وقد ميز الدكتور (فهمي) المسكوكات المضروبة بالسكة المحفورة حفرًا مباشرًا، وبين تلك التي يتم الحصول عليها عن طريق نسخ السكة المصبوبة عن الأصل.
فالأولى تكون حروفها بارزة مع دقة الكتابة ورقتها وعدم طمس فجواتها، ثم إن حافات الكتابات تبدو قائمة ولا أثر للاستدارة فيها، وإن مستوى الكتابات ليست في مستوى واحد بسبب التفاوت في حفرها، هذا إلى جانب خشونة السطوح العليا للكتابات بسبب عدم استواء ضربات الإزميل ضربًا مستمرًّا باتجاه واحد.
ومع ذلك فلا بد من القول أنه ليس من الضروري أن تظهر كل هذه الأمور مجتمعة في مسكوكة واحدة، أما المسكوكات المضروبة عن طريق النسخ المصبوبة فإنها تحمل في بعض الحالات آثارًا تتمثل بوجود بثور صغيرة متفرقة أو مجتمعة تتخلل حيزًا من سطح القطعة إضافة إلى ظهور بعض الفقاعات الهوائية الصغيرة على سطح المسكوكة، وذلك لوجود المسامات في سطح النسخ المصبوبة والناشئة عن صب مصهور الحديد على القوالب الفخارية المشتقة عن (السكة الأم)، ما يترك أثرًا على المسكوكة عند ضربها بمثل هذه النسخة من السكة المصبوبة.
سبيكة السكة
يقصد بسبيكة السكة المعدن الخام المصهور الذي تضرب منه الدنانير والدراهم، والأساس في سبيكة الدنانير الذهب.
وفي سبيكة الدراهم الفضة؛ لأنه يتخلص كل معدن مما قد يكون مختلطًا به من الشوائب وتصفيته في دار الضرب وضبط عياره.
وفي حالة الضرب تحول السبيكة إلى أسياخ أو قضبان رقيقة بالطرق والتصفيح عن طريق المطرقة والسندان، ثم تقطع إلى أقراص بواسطة مقراض (مقص) خاص، ثم توزن كل قطعة على حدة، ويقطع منها الزائد إلى أن تساوي الوزن المطلوب، ثم تضرب على الوجهين (بالسكة المحفورة).
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.