سرقة الكتب ما بين التبرير والتحريم

أمّا وقد تراجعت عادات قراءة الكتب، وصار الكتاب أسير رفوف المكتبات في انتظار القارئ الّذي يقتنيه، وقد قلّ عدد القراء كثيراً، وقلّت مبيعات الكتب كثيراً، بل إنّ أحد أصحاب المكتبات صار يقول: "زمان كنت أبحث عمّن يسرق الكتب كي أعاقبه.

اقرأ أيضاً كيف أنتقي كتاباً مشوقاً ومميزاً لقراءته؟

القراءة وسرقة الكتب

اليوم لو عثرت على من يسرق كتاباً ليقرأه سوف أهديه الكتاب تشجيعاً على القراءة"، ومن ثمّ تسقط الفكرة القائلة: "بائع الكتب لا يراقب بضاعته ولا يخشى السّرقة، لأنّ القارئ لا يسرق، والسّارق لا يقرأ".

لكن منذ سنوات في مكتبة دير سان بدرو في برشلونة عُلّق تحذير على هيئة دعاء جاء فيه: "من يسرق كتابًا أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها عسى أن يتحوَّل الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يُصاب بشلل ارتجافيّ قاهر، وأن تشلّ جميع أطرافه".

لكن هل من المعقول لهذه الدرجة أنّ البعض وهم كثر، وجلّهم من الأدباء والشّعراء، بل بعضهم من العلماء يعدّون أنّ سرقة الكتاب سرقة نبيلة، بل شرعيّة، وتبريهم أنّ الكتاب لم يقرأ، وأنّ من يقرأ قد لا يملك مالاً، والبعض الآخر يراه نوعاً من الإدمان.

اقرأ أيضاً هوس القراءة.. كيف تعرف أنك مهووس بالكتب؟

هل سرقة الكتب حرام؟

وفي جريدة الشّرق الأوسط عدد 18 شباط (فبراير) 2009، كتب الرّاحل أنيس منصور في هذه الصّحيفة متسائلاً: "سرقة الكتب هل هي حرام؟"، فقد روي أنّ المستشرق الألمانيّ باول كراوس الّذي عاش في مصر وتوفّي فيها منتحراً في 12 اكتوبر 1944 اكتشف بعد انتحاره أنّ لديه كتباً استعارها من مكتبة الجامعة ومن مكتبات أخرى ولم يردّها.

قال أنيس منصور: "لقد تعمد ذلك، وكان قد نصحنا أن نفعل مثله لأننا لم نبع هذه الكتب، وإنما احتجنا إلى قراءتها".

عشرات غير كلاوس كانوا يسرقون الكتب، منهم نبلاء، ومفكّرون، وأدباء، ومثقّفون، وغيرهم.

اقرأ أيضاً 9 أنواع من القراء.. أيهم أنت؟

كتاب تاريخ القراءة

في كتابه "تاريخ القراءة" خصّص الرّوائيّ الأرجنتينيّ آلبرتو مانغويل فصلاً كاملاً عن سرقة الكتب، يذكر فيه أنّ دوق ليبري، وهو عالم رياضيّات إيطاليّ اشتهر بسرقة الكتب والمخطوطات النّادرة من المكتبات العامة في فرنسا، كان يسرق الكتب من المكتبات العامّة ثم يبيعها على أرصفة نهر السّين، وكان الأدباء يحرصون على حفظ كتبهم من الإعارة كما يحفظون دينارهم ودرهمهم، يقول أحدهم:

ألا يا مُستعير الكُتْبِ دعني       فإنّ إعارتي للكُتبِ عارُ

محبوبي من الدّنيا كتاب          وهل أبصرتَ محبوباً يعارُ

ويحمل ستيفن بلومبيرغ لقب أكبر سارق كتب في العالم، وهو يعدّ من أغرب الشّخصيّات بسبب هوسه الشّديد بالكتب الّذي دفعه إلى سرقة عدد جيّد منها، وأكثر من ذلك سرقة مبلغ ماليّ ضخم وإنفاقه على شرائها.

اقرأ أيضاً هل باتت القراءة حكراً على فئة دون أخرى؟

من أكبر سارق كتب في العالم؟

كان ستيفن بلومبيرغ الّذي يقيم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مدمناً على قراءة الكتب، ولأنّه لم يكن يملك المال لشراء ما يكفي منها قرّر سرقتها.

فقد تمكّن ستيفن من سرقة أكثر من 23.600 كتاب يقدّر ثمنهم بما يقارب 5.3 ملايين دولار أميركيّ في عام 1990، معظمها من الطّبعة الأولى، ومنها مخطوطات مكتوبة بيد أصحابها، ولكنّ غرضه من السّرقة كان من أجل قراءتها فقط، ولكن اعتقلته السّلطات بهذه التّهمة المتمثّلة في سرقة الكتب.

وتتميّز الكتب الّتي سرقها بأنّها كتبٌ نادرة وغالية الثّمن، وهي كتب متنوّعة سرقها من كثير من المتاحف الموجودة في 45 ولاية في أمريكا، وأهمّها العاصمة الأمريكيّة واشنطن، بالإضافة إلى مقاطعتين موجودتين في كندا، وأيضاً سرق من الجامعات الّتي وصل عددها إلى 268 جامعة ويزيد عن ذلك.

وبعد اعتقال ستيفن بعدّه أكبر سارق كتب في العالم حُجز ما يملكه من كتب في نادي الكتب في مدينة لوس أنجلوس الأمريكيّة.

بعد عملية الحجز تبيّن أنّ ستيفن كان يقرأ في جميع المجالات سواء السياسيّة أم الاجتماعيّة أم التّاريخيّة والأدبيّة، فقد كانت الكتب الّتي يملكها متنوّعة منها روايات، وقصص، وسير ذاتيّة، ومخطوطات.

السرقة تعدي على حقوق الآخرين

وعن دافع بعض الكتّاب والرّوائيّين العرب وراء سرقة الكتاب يقول القاصّ والرّوائيّ العراقيّ شوقي كريم حسن: "نحن لم نكن نمارس السّرقة بمعناها المتداول، لأنّنا كنّا أمام أمر محرج ما كنّا نعرف كيفيّة الخلاص منه؛ جيل يريد أن يكون ولا يملك درهمًا واحدًا، ما الحلّ؟".

ولكن سلب الكتب يزعزع الثّقة المتبادلة الّتي تعتمد عليها المكتبات، وخلافًا للرّوائيّ حسن، يرى الرّوائيّ السّوريّ جان دوست المقيم بألمانيا أنّ "سرقة الكتب لا يمكن تبريرها تحت أيّ مسمّى؛ السّرقة نوع من التّعدّي على حقوق الآخرين".

ورغم ذلك يصرّح بعض الكُتّاب علنًا بأنّهم سُرّاق كتب، فقد كان الرّوائيّ الكولومبيّ غابرييل غارثيا ماركيز (1927-2014) يقول: "أنا سارق"، ويؤكّد أنّه واحد من "أبرز سارقي الكتب"، وهناك الفيلسوف والرّوائيّ الرّوسيّ ليو تولستوي (1828-1910) الّذي كانت لديه الأموال، ولكنّ لعابه كان يسيل أمام الكتاب فيسرقه.

أمّا المخرج الفرنسي الشهير جان لوك غودار (ولد 1930) فقد كان يسرق كتب أفراد عائلته، والدّافع دائمًا النّهم إلى المعرفة.

غبي من أعار كتبه

ويقول الكاتب المسرحيّ البريطانيّ الأيرلنديّ جورج برنارد شو (1856-1950): "غبيّ من أعار كتابًا، وغبيّ من أعاده"، ويؤكّد بعض الكُتّاب وأصحاب المكتبات أنّ البعض يستعير الكتاب وبعد قراءته لا يعيده بدافع الأنانيّة، ويوجد من لا يقرؤه ويحتفظ به ليرميه في مكتبة بيته كقطعة ديكور.

توصف سرقة الكتب بأنّها عادة مستشرية في الوسط الثّقافيّ، ويوجد من يفتخر بها، وأنّها ليست سرقة وربما هي عادة لا أكثر.

ويذكر أنّ سرقة الكتب لم تكن تعدّ جريمة في القرن الـ 17 ما لم يبعها سارقها، وينتمي معظم لصوص الكتب إلى عموم المهتمّين بالكتاب والمؤمنين بأنّه وسيلة تثقيف.

ويرى بعض الكُتّاب أنّ سرقة الكتب تعود في جزء منها إلى العوز الماليّ، وأنّ المصاب بمرض سرقة الكتب لا يشعر بذنب اقترافه السّرقة، بل إنّه قد يجد مبرّرات لهذا الفعل.

ويعلّل كريم حسن إقدامه على سرقة الكتب بقوله: "منذ صبانا لم نجد سوى الكتاب الزّاد المعرفيّ الّذي لا بدّ منه، لكنّ هذه الأحلام توقّفت كثيرًا عند ضيق ذات اليد وحسرة توفير قوت اليوم".

ويتابع حسن: "في زماننا كانت أسعار الكتب مرتفعة جداً وكانت جيوبنا أكثر زهدًا وأعظم من الفقر فقرًا، فطلب العلم هو المبرّر الذي دفعنا إلى سرقة الكتاب وتداوله".

ويبيّن كريم: "كنّا نوصي بعضنا بعضاً بألّا نسرق كتبًا بعناوين واحدة، وذلك ليتسنّى لنا تداولها فيما بيننا".

كاتب فى مجال الانسانيات والفنون والاداب ... خريج زراعة عين شمس 1976 وعمل مهندس زراعة بالارشاد الزراعى وضابط مراقبة جوية بمطار القاهرة

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 4, 2023, 8:39 م - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 25, 2023, 3:02 م - سيرين غازي بدير
نوفمبر 15, 2023, 7:35 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
نوفمبر 15, 2023, 7:11 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 29, 2023, 8:49 ص - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
أكتوبر 23, 2023, 4:41 م - لبنى راتب خنفر
أكتوبر 12, 2023, 5:40 م - مصطفى محفوظ محمد رشوان
أكتوبر 10, 2023, 5:52 م - اسامه غندور جريس منصور
أكتوبر 7, 2023, 6:01 م - د.علاوي علي
أكتوبر 7, 2023, 9:13 ص - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
أكتوبر 4, 2023, 7:14 م - هناء علي
أكتوبر 2, 2023, 11:16 ص - محمد إسماعيل الحلواني
أكتوبر 2, 2023, 8:23 ص - إياد عبدالله علي احمد
أكتوبر 1, 2023, 3:23 م - سارة عبد العظيم المشايخ
سبتمبر 25, 2023, 8:02 ص - إيمان عبدالباري قائد
سبتمبر 16, 2023, 1:07 م - شروق محمود.
سبتمبر 13, 2023, 6:48 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 11, 2023, 5:33 م - سعاد عبدالحفيظ أحمدين
سبتمبر 11, 2023, 10:04 ص - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 9, 2023, 8:54 م - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 9, 2023, 11:29 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 6, 2023, 7:13 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 3, 2023, 11:41 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 2, 2023, 2:41 م - محمود سلامه الهايشه
أغسطس 31, 2023, 7:59 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
أغسطس 30, 2023, 5:32 م - محمود سلامه الهايشه
أغسطس 30, 2023, 4:43 م - سعاد عبدالحفيظ أحمدين
أغسطس 30, 2023, 8:03 ص - ميساء محمد ديب وهبة
أغسطس 29, 2023, 8:40 م - صفاء السماء
أغسطس 26, 2023, 8:48 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
أغسطس 19, 2023, 4:09 م - عبدالمجيد ايت اباعمر
أغسطس 17, 2023, 2:30 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 15, 2023, 8:40 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 9, 2023, 6:18 م - ميساء محمد ديب وهبة
أغسطس 8, 2023, 11:53 ص - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 5, 2023, 8:13 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 5, 2023, 7:01 م - رانيا رياض مشوح
يوليو 26, 2023, 7:30 م - إبراهيم أحمد قشطة
يوليو 25, 2023, 9:05 م - نبال حمدان دعكور
يوليو 25, 2023, 9:26 ص - محمد أمين العجيلي
يوليو 22, 2023, 8:25 م - محمد أمين العجيلي
يوليو 8, 2023, 7:17 م - عبدالحليم عبدالرحمن
يونيو 27, 2023, 11:48 ص - عبدالحليم عبدالرحمن
يونيو 26, 2023, 11:18 ص - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 21, 2023, 1:01 م - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 14, 2023, 11:10 ص - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 7, 2023, 8:41 م - آسيا نذير القصير
يونيو 7, 2023, 11:05 ص - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 5, 2023, 3:30 م - اسامه غندور جريس منصور
مايو 23, 2023, 12:09 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 21, 2023, 3:55 م - محمد عصام
مايو 20, 2023, 3:50 م - اسامه غندور جريس منصور
نبذة عن الكاتب

كاتب فى مجال الانسانيات والفنون والاداب ... خريج زراعة عين شمس 1976 وعمل مهندس زراعة بالارشاد الزراعى وضابط مراقبة جوية بمطار القاهرة