تغريدة وزير المالية وكالة إحسان عبد الجبار بتاريخ 15/10/ 2022 على تويتر: " ...نتائج التحقيق الذي وجهنا به بعد تكليفنا بالوزارة والإثباتات الرسمية الخاصة بسرقة ما مقداره 3.7 ترليون دينار عراقي (2.5 مليار دولار) من أموال الضريبة مصرف الرافدين من قبل مجموعة محددة، سلمتها وزارة المالية إلى الجهات المختصة، ومنها اللجنة المالية البرلمانية التي طالبتنا بذلك رسميًّا وإعلاميًّا... ".
اقرأ ايضاً الجريمة والعقاب – اعترافات مجرم في زنزانة السجن
كشف سرقة لدى البنك العراقي
كانت بداية لكشف سرقة أطلق عليها مسمى سرقة القرن، تتضمن سرقة 2 مليار و500 مليون دولار، ما يعادل (3) تريليونات و700 مليار دينار من الأمانات الضريبية الموجودة لدى البنك المركزي العراقي، استحوذت عليه خمس شركات وهمية من خلال شبكة فاسدة، انتشرت ضمن المؤسسات القيادية والإدارية والمالية لتوفير غطاء لجريمتها.
أما أسلوب ارتكاب جريمة سرقة القرن فقد تمثل بقيام مجموعة أشخاص من ذوي الياخات البيض (رئيس هيئة، مدير عام، مدير) ومجموعة مساعدة تنتشر في أخطر وأهم مؤسسات الدولة، بإخراج المال من أعز وأمنع حصون وزارة المالية (مصرف الرافدين)، وبحمولة عدة سيارات من النقود، وفي وضح النهار، فهذا لم يحصل سابقًا، وإن دلَّ على شيء إنما يدل على اتساع واستشراء وانتشار الفساد، وضعف الرقابة والسيطرة.
إن اجتماع مسؤولين سابقين في الضريبة والجمارك ووزارة المالية ومجلس النواب، وبمستوى مدير عام، وتخطيطهم وتنفيذهم للجريمة، إنما يوضح أن هؤلاء المديرين العام غير مؤهلين بالأساس لإدارة مثل هذه الدوائر، وأن اختيارهم كان سيئًا، ويعد أحد مساوئ المحاصصة، إذ يرتقي في الإدارات العامة أناس غير مؤهلين، بمجرد كونهم محسوبين على هذا أو ذاك من مسؤولي المحاصصة.
اقرأ ايضاً الجريمة والعقاب – توبة اللص
ضرورة الخبرة المهنية لدى المستشارين
أما المستشارون الذين يقدمون استشاراتهم للارتقاء بمستوى أداء الدولة، فلا يعرف ما مواصفات مَن يُكلف بواجب مستشار؟ فالمستشار عادة ما يكون خبيرًا أو محترفًا متمرسًا في مجال معين، ولديه معرفة واسعة بموضوع اختصاصه، فتعطيل دور الرقابة المالية بكتاب رسمي مقدم من مكتب رئيس الوزراء رأي غير موفق، استُغل غطاءً للسرقة، ولا يُقدِم عليه مستشار مالي مهني أبدًا.
إن وجود مستشارين في الدولة من غير ذوي الخبرة المهنية والفنية والعلمية يخلق بالتأكيد أزمات إدارية وفوضى وظيفية عارمة، جراء استشارات غير مدروسة وغير مهنية، وقد يحدث انحراف وثغرات في الأداء كما حصل في سرقة القرن. فكثير من استشارات أسقطت بلدانًا وضيعت أوطانًا.
فلدى العراق من المستشارين الأكفاء ما تتلقفهم دول العالم، إذ يعود الفضل في نهضة الصين الحديثة إلى البروفيسور العراقي "إلياس كوركيس". ويعود الفضل في وضع الخطة المستقبلية للنهوض في صناعة النفط في النرويج، والمساهمة في زيادة ريع الحكومة النرويجية إلى المستشار العراقي "فاروق القاسم"، ولا يتسع الورق لذكر الآخرين.
اقرأ ايضاً السرقة
الإجراءات القانونية حول سرقة البنك
وفي الوقت الذي كثر الحديث عن هذه المجموعة في وسائل الإعلام، وأصبح كل يدلي بدلوه، فالذي نأمله من القضاء القبض على كل مَن له يد في هذه السرقة الوقحة، والاعتماد على فريق تحقيقي صاحب اختصاص من محققي الشرطة المحنكين الأكفاء، وتحت إشراف قضاة مختصين وفريق من الخبراء الماليين يكلفون بإحصاء المبالغ المسروقة منذ 2003 إلى الآن.
مع توفير الحماية والحصانة لهم، وسحب التحقيق أو التدخل به من أية جهة أخرى، إضافة لإحاطة التحقيق بسرية تامة من أجل حصر ومعرفة الرقم الحقيقي للأموال المسروقة، وسبر غور هذه الجريمة الخطيرة التي أساءت إلى سمعة الدولة العراقية بما تمثله من تجاسر ووقاحة على هيبة الدولة وإدارتها.
ولا بد أن يودع المتهمون التوقيف ولا يخرجون منه أبدًا إلا إذا أعادوا الأموال المسروقة عدًّا ونقدًّا، ثم ينالون جزائهم العادل بما فعلت أيديهم، كي لا يتوقعون كم سنة سيقضون في السجن، ثم يخرجون بعدها يتمتعون بهذه المليارات، فلا كفالة ولا سجن قبل أن تعود الأمانات المسروقة نقدًا وعدًا كما خرجت.
انتباه الدولة لهذه الجريمة
ولم لم تكتشف هذه الجريمة وتظهر إلى العلن وتثار حولها الفضائح، فلا يعلم أحد إلى أين ستستمر هذه العصابة المتمكنة في تغولها بالسرقة؟ فقد يتحولون بعدها إلى البنك المركزي ليسرقوا قوت الشعب العراقي واحتياطيات البنك المركزي؟ أليس من الأنانية أن يستحوذ هؤلاء النفر على كل هذه التريليونات، وهنالك أناس تقتات على النفايات؟ وطلاب وطالبات يجلسون على الأرض في صفوف بلا رحلات؟ وأرامل وأيتام ومطلقات يعيشون على الفتات؟ وعاطلون يعانون شظف المعيشة وقساوة الحياة.
ولا بد في الوقت نفسه من توجيه انتباه الدولة لإسناد مناصب المديرين العام والمستشارين، لمن هم أهل لها، ومن المشهود لهم بالمهنية والكفاءة والعلمية والأمانة، بعيدًا عن المحاصصة والمحسوبية والطائفية، وأن يكون ما حصل درسًا للمستقبل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.