زها حديد: امرأة عابرة من بلاد الرافدين تخطف أنظار العالم من كل مكان

لطالما أثارت قضية عمل المرأة الكثير من الخلاف والجدل في الأوساط العربية، فهذا مؤيد، وذاك معارض، وثالث يسمح بشروط! فريق يعدد المساوئ، وآخر يُحاجِجُه بالمزايا، صراع مستمر لا نكاد نرى أفق لنهايته! وفي وسط هذا الخلاف المحتدم الذي لا يعرف سكونًا، تُطل المرأة العربية من حين لآخر، بقصص نضال ونجاح لا يستطيع العالم معها سوى أن يهدأ ويتمعن في هذا الإلهام والإبداع.

وزها حديد هي واحدة من هذه النماذج العربية المثيرة للإعجاب، لا على المستوى العربي فقط، بل على المستوى العالمي!

فمن هي زها حديد؟ وكيف استطاعت بناء أسطورتها؟

هي زها محمد حسين حديد اللهيبي، ابنة اللهيبي رجل الأعمال الشهير، وواحد من الساسة المخضرمين في دولة العراق. أما والدتها، فهي الفنانة التشكيلية وجيهة الصابوني.

خرجت زها للحياة في شهر العظماء، 31 أكتوبر من عام 1950م، فكانت واحدة ممن شهد العالم كله بعبقريتها وتفردها.

عاشت زها طفولة رغدة، وتلقت تعليمها في أماكن رفيعة، ما بين مدارس داخلية وجامعات أجنبية، فبعد حصولها على الشهادة الثانوية، غادرت العراق متوجهة إلى لبنان حيث التحقت بالجامعة الأمريكية في العاصمة بيروت، وتخصصت في الرياضيات، وبحلول العام 1972م، كانت حديد قد حلّقت إلى لندن حيث سجلت بقسم الهندسة المعمارية؛ لتبدأ أولى خطواتها في الميدان الذي صنع شهرتها ونجاحها.

بدايتها العملية

بعد خمسة أعوام تخرجت حديد، وقد قدمت آنذاك مشروع تخرج أثار الكثير من الجدل؛ بفعل تصميمه غير التقليدي المستلهم من الفن التجريدي الحديث.

أنهت زها مسيرتها التعليمية ودلفت إلى عالم العمل، حيث انقسمت حياتها المهنية بين العمل الأكاديمي، والعمل في المعمار، ففي العام 1977 م، عُينت معيدة في الكلية التي درست بها الهندسة، كما انضمت لفريق الهندسة المعمارية في شركة معمار العاصمة في هولندا، وبعد ثلاثة أعوام، انفصلت عنها لتؤسس شركتها الخاصة في لندن، وبدأت في إبهار العالم بتصاميمها وأفكارها الخارجة عن المألوف.

فلسفتها المعمارية

كان لزها فكر مختلف في المعمار، انعكس في الكثير من تصاميمها التي لطالما أثارت التساؤلات حول
عبقريتها الفذة، أو كونها "مهندسة قرطاس" كما أطلق عليها بعض منتقديها! فقد رفضت حديد النمط التقليدي في الهندسة المعمارية، وانحازت لنمط العمارة التهديمية.

فعلام يقوم هذا النمط؟

يعد توجه حديث في المعمار، يرتكز على هدم الحواجز بين النحت والرسم، ومزجهم سويًا في تعقيد هندسي، إذ يمكنك فهم ذلك بمجرد النظر إلى أي من أعمال حديد، التي تشعر معها أنك تسافر في الفراغ، حيث لا قيود! فهذا النمط يكتسب اختلافه من كونه يأخذك في رحلة من الأرض إلى الفضاء.

فكانت زها تعتمد في تصاميمها على الخيال والغرابة واستخدام الحديد لتوفير الصلابة للبناء، وهذا الاتجاه الفريد هو ما حجز لزها هذه المكانة الرفيعة في عالم المعمار، إلى حد جعل أحد أساتذتها يصفها بكونها: "كوكب يدور في مجرة وحده".

أبرز أعمالها

صممت حديد أكثر من تسعمائة بناء في أكثر من أربعين دولة حول العالم، كان من أبرزها:

  • مركز دي فانو: تقول عنه حديد أنه مشروعها المفضل؛ فهو الأكثر جموحًا وتعبيرًا عن فلسفتها وقناعاتها حيث يأتي كمزيج فريد بين الأصالة والعصرية، محققًا حلمها القديم بأن تقدم شيئًا يشبه الحضارة السومرية في ثوب متقدم.
  • محطة فيترا: وهو مركز إطفاء يقع في "ويل أم رين" في ألمانيا، وهو أول عمل لها خرج إلى النور، جسدت فيه طموحها بكسر الأطر التقليدية الهندسية المرتكز على الزوايا القائمة، فاعتمدت على الانسيابية والخيال الحر، ورغم توجيه العديد من الانتقادات له في البدء، إلا إنه ما زال شامخًا معبرًا عن إبداعها الفريد، وقد وصفته حديد بقولها: "هذا البناء يعمل مثل الطربوش، يغطي الموقع ويعطيه تعريفًا، ولكن عندما تتحرك داخله، يبدو كما لو كان جهاز عرض. لقد تم تصميمه؛ لتدرك التغيرات الفرعية والحسية بالكامل، بينما تتحرك عبر المناطق المختلفة للحيز". 
  • مركز حيدر عليف: عبارة عن مركز ثقافي يقع مقره في مدينة باكو عاصمة أذربيجان، فهو من أهم معالمها السياحية الحديثة، يقدم المركز سيرة ذاتية للقائد حيدر عليف الذي برز في فترة الوجود السوفيتي على أراضي أذربيجان، وحتى 10 أعوام بعد حصولها على استقلالها، بجانب عرض لجميع المراحل التاريخية التي مرت بها الدولة، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال المميزة للدولة في حقب زمنية مختلفة. 
  • جسر الشيخ زايد: يعد من الأماكن الهامة في مدينة أبو ظبي؛ بفعل تصميمه الفريد الذي يتجاوز ارتفاعه الستين مترًا، ويبلغ طوله أكثر من ثمانمائة متر، ويعكس الجسر ملمح من ملامح الطبيعة المميزة التي تغطي رقعة شاسعة من دولة الإمارات، هي "الكثبان الرملية" حيث استُوحي منها التصميم الخارجي للجسر.
  • مركز روزنتال: أول تصميم قامت به حديد على الأراضي الأمريكية؛ والذي تحول فيما بعد إلى متحف ليصبح المتحف الأمريكي الأول الذي صممته معمارية امرأة، ويعد روزنتال واحد من أعرق الأبنية الأمريكية التي اهتمت بالفنون المرئية، وقد استغرق حديد 5 أعوام حتى استكملت تصميمه.

 أهم الجوائز التي حازت عليها

حصلت حديد على الكثير من الجوائز، حيث قدرت بنحو 100 جائزة، من هيئات مختلفة؛ تقديرًا لها على لمساتها الساحرة في ميدان المعمار.

كان من أهمها:

  • بريتز للعمارة: حيث حصلت عليها عام 2004 م؛ لتصبح أول امرأة تفوز بها، كما كانت أصغر الفائزين بها سنًا، وهي أرفع جائزة في هذا المجال، حيث تعادل نوبل للهندسة، وتُمنح لمن يستخدمون العمارة في تحسين حياة البشرية.
  • وسام الشرف البريطاني: نالته عام 2012 م، برتبة Dame، أي "سير".
  • جائزة التقييم العام للمتاحف: حصلت عليها في 2014م، عن تحفتها المعمارية في أذربيجان "مركز حيدر علييف".
  • ريبا للفنون الهندسية: حصدتها في 2016 م، لتصبح أول امرأة تحصل عليها في التاريخ.
  • الميدالية الذهبية للتصميمات المعمارية: وهي أول جائزة كُرمت بها زها، فقد نالتها في عام 1982م، تكريمًا على تصاميمها في بريطانيا.
  • الوسام الإمبراطوري الياباني: وقد حصلت عليه في عام 2012 م.
  • جائزة النمسا للسياحة: وهو أعلى وسام تمنحه الدولة النمساوية، وقد منحته لحديد في عام 2002 م.

نور يخبو وأعمال لا تندثر

بحلول مارس من عام 2016 م، انتهت حياة هذه المعمارية المخضرمة عن عمر ناهر 65 عامًا، في واحدة من مستشفيات ولاية فلوريدا الأمريكية، إثر نوبة قلبية، وهكذا أُسدل الستار على حياة حافلة بالنضال والإصرار والعزيمة.

تقلدت خلالها حديد مجموعة من المناصب الأكاديمية في أعرق كليات الهندسة المعمارية حول العالم، ومهدت للمرأة بقعة رفيعة في حقل يسيطر عليه الرجال بامتياز، متغلبة على العراقيل التي اعترضتها، من كونها امرأة، ومن كونها عربية، ومن كونها معمارية تغرد بعيدة عن السياق الكلاسيكي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

من الرائع أن يتمسك الشخص بحلمه ويبدع عند تحقيقه.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

نعم، ورؤية هذه النماذج يعطينا الكثير من الأمل والإصرار على تتبع أحلامنا.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.