ريا وسكينة.. القصة الحقيقية وراء أسطورة الجريمة

في عالمنا المملوء بالحكايات تختبئ بين الأزقة القديمة أسرار لم تُرو كلها.. سنفتح اليوم صفحة من الماضي نحكيها لكم، لا كما جاءت في كتب التاريخ، بل كما لو كنا شهودًا عليها، نستمع لهمس الجدران، ونقرأ ما خطَّه الزمن على الأرواح. 

دعونا نغص معًا في قصة صنعتها الحاجة، وأعادت صياغتها الخرافة، لنكتشف الحكاية وما وراءها.. ففي كل قصة حياة.. وفي كل حياة قصة تستحق أن تروى.

في شتاء الإسكندرية البارد لعام 1920 كان الضباب يزحف فوق الأزقَّة الضيقة في حي اللبان، حين كان صوت البحر البعيد يتداخل مع همسات الريح. في إحدى الغرف المظلمة جلست ريا خلف موقد صغير تراقب احتراق الحطب بعيون متعبة، فيما كانت أختها سكينة ترتب الأغطية فوق الأرضية المتشققة.

لم تكونا سفاحتين من البداية، بل كانتا فتاتين صعيديتين هاربتين من فقر قاسٍ إلى مدينة حملت لهن وعودًا زائفة، في البداية عملتا بغسيل الملابس، حملتا القلل فوق الرؤوس، باعتا العطر على الأرصفة.. لكن شيئًا فشيئًا، ومع قسوة الزمن والجوع الذي لا يرحم انحرفت خطواتهما.

كانت المدينة في ذلك الوقت تموج بالفوضى بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت النساء يضعن الذهب على أعناقهن وأيديهن دون خوف. رأت ريا وسكينة في هذا البريق حبل نجاة لهما، والخطة كانت قاسية للغاية وهي استدراج، خنق، دفن، بيع الذهب! وبقدر ما كان الخوف ينهش قلبيهما في البداية، بقدر ما صار القتل عادة ثقيلة مع مرور الأيام.

ليلًا كانت الأرض تبتلع الضحايا بلا شهود تحت الأرضيات المهترئة لمنازلهم المؤجرة، وكانت ريا تهمس وهي تدفن آخر ضحية «سامحينا.. الجوع أقسى من الدم».

كانت كل جريمة تنحت ثقلًا جديدًا على كاهلهما، حتى بدا كأن الندم لم يعد له مكان بين القبور الصغيرة التي حفروها بأيديهن.

لكن القدر لا يترك الخطيئة بلا حساب. ذات مساء حين أرسلت ريا طفلتها الصغيرة لشراء بعض الحطب، لاحظ أحد رجال الشرطة شيئًا غريبًا! رائحة نفاذة تنبعث من المنزل. ومع تحقيقات دقيقة وشهادات خائفة من الجيران انكشفت خيوط المؤامرة.

لحظة القبض عليهما كانت أشبه بالمسرحية الحزينة. (ريا) المرأة التي أنهكها التعب جلست تبكي كطفلة صغيرة، فيما كانت (سكينة) تحاول عبثًا الإنكار بنبرة ترتجف بين الغضب والرعب. تحت قوس المحكمة الكبير وُجهت إليهما تهم لا تُغتفر. وقف القاضي ينطق الحكم بالإعدام، ولم ترتجف ريا كما توقع الجميع، بل رفعت رأسها ونظرت إلى السماء كأنها تسألها: أين كنت حين خذلتنا الحياة؟

وفي ديسمبر 1921 أُسدل الستار على واحدة من أفظع الجرائم في تاريخ مصر، لكن على الرغم من مرور أكثر من قرن لا تزال قصتهما تُروى، لا كتحذير فقط، بل كمرآة تظهر وجوهنا المجهدة حين تضعنا الحاجة على حافة الظلام.

وفي النهاية لا تحمل كل الحكايات أبطالًا طيبين ولا أشرارًا مطلقين، بل أحيانًا تكون القصص دروسًا قاسية عن الإنسان حين تهزمه الحاجة ويعميه الخوف. ربما رحلت ريا وسكينة عن عالمنا، لكن صدى قصتهما لا يزال يتردد بيننا، يذكِّرنا أن لكل جريمة حكاية، ولكل حكاية وجهًا آخر.

وبينما نغلق اليوم باب هذه القصة سنواصل رحلتنا عبر الزمن لنكشف أسرارًا أخرى، ونحكي لكم حكايات ظلت في طي النسيان، وقصصًا صنعتها الحياة وحرَّكتها الأرواح.

رحلتنا لا تزال في بدايتها.. من حكاية إلى أخرى نطاردها عبر الأزمنة الغابرة، وهذه قصتنا لليوم.. فابقوا معنا في رحلة لا تنتهي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

(وفي النهاية لا تحمل كل الحكايات أبطالًا طيبين ولا أشرارًا مطلقين، بل أحيانًا تكون القصص دروسًا قاسية عن الإنسان حين تهزمه الحاجة ويعميه الخوف.)

- أحسنت فالأنسان المتزن حقاً هو من يعلم أن بكل خطأ نسبة من الصواب فلا يوجد أشرار مطلقين!! أشكرك علي تلك الدقائق بروايتك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.