رياضة صفع الوجه بدأها فاسيلي كاموتسكي المزارع الروسي عام 2019، في مفارقة عجيبة للتاريخ البشري تحول فعل الصفع على الوجه الذي طالما كان رمزًا للإهانة والإذلال إلى رياضة قتالية تدر أرباحًا طائلة وتستقطب ملايين المشاهدات. اكتشف قصة كاموتسكي الروسي الذي قلب الموازين، من حدث غريب إلى ظاهرة رياضية مثيرة للجدل، تثير تساؤلات عن حدود المنافسة ومخاطر الشهرة في عالمنا المعاصر. فلنغص في تفاصيل هذه الرياضة الصادمة، ونستكشف نشأتها، قوانينها، أرباحها، والأهم من ذلك، أخطارها الكارثية.
في 2019 قرر كاموتسكي مع بعض أصدقائه زيارة مدينة كراسنويارسك لينازل خصما ضخما في رياضة الصفع، وكان قد شاهدها ضمن فقرات برنامج Ink Masters الأمريكي عام 2015.
فاز الشاب الروسي كاموتسكي على خصمه وسط مئات الحضور، وملايين المشاهدات من رواد السوشال ميديا، مستغلًا وحشية المشهد لجذب الانتباه. وسرعان ما اكتسب شهرة واسعة، حتى إنه تلقى اتصالات من الصحفيين في جميع أنحاء العالم، وأصبح بمنزلة الأب الروحي لتلك اللعبة التي بدأت في الانتشار بأوروبا الشرقية، ما يوضح كيف يمكن لشخص واحد أن يؤسس لظاهرة غريبة.
لاقت مقاطع الفيديو اهتمام الملايين في أنحاء العالم، وسرعان ما أصبح للرياضة حكام وقوانين تحدد من الفائز، في محاولة لتنظيم الفوضى وتلبية متطلبات البث والمراهنات.
قواعد لعبة رياضة صفع الوجه.. البقاء للأقوى
لا يبدو أن للعبة صفح الوجه قواعد معقدة، فقط يقف شخصان مواجهان بعضهما بعضا، ويبدأ أحدهما في صفع وجه منافسه، ثم يرد عليه المنافس بالمثل، وهكذا، لا يسمح لهما بالتحرك أو الجدل أو الدفاع عن النفس، وفي النهاية يخسر الشخص غير القادر على الصفع الذي يفقد اتزانه، أو يسقط مغشيًا عليه أو يعلن استسلامه.
تحذيرات الأطباء.. المخاطر الكارثية للرياضة تتنافى مع حماية الرأس
الغريب أن تلك الرياضة تتنافى مع القواعد الأساسية التي يتعلمها أي رياضي عند التدريب وهي حماية الرأس والرقبة والوجه والعينين والأذنين، ومع ذلك تستمر في الانتشار على الرغم من تحذيرات الأطباء من عواقبها الكارثية التي تشمل إصابات دماغية رضية، ونزيفًا دماغيًا، وتلف الأعصاب القحفية، وإصابات العين الحادة.
دراسة أمريكية تكشف عن ارتباط قتال الصفعات بارتجاج المخ
في 2024 توصلت دراسة أمريكية أجريت في جامعة بيتسبرغ وهي مؤسسة بحثية مرموقة إلى أن مسابقات «قتال الصفعات» ترتبط بحدوث ارتجاج في المخ لدى المشاركين، لتقييم مدى خطورة اللعبة، شاهد المراجعون مقاطع فيديو لمسابقات القتال بالصفعات وحللوا 333 صفعة.
أوضح التحليل أن ما يقرب من 80% من المقاتلين تظهر عليهم علامة مرئية لارتجاج في المخ مرة واحدة في الأقل في سلسلة المباريات، ما يشير إلى أن الضرر العصبي ليس استثناءً بل القاعدة، وتشمل العلامات المرئية فقدان الوعي، والترنح، وعدم الاتزان، والنظرة الشاردة، وهي كلها علامات على خلل وظيفي حاد في الدماغ.
إضافة إلى المخاطر المباشرة للارتجاج والنزيف الدماغي، تشير الأبحاث العصبية إلى أن تلقي ضربات متكررة على الرأس، حتى لو لم تؤد إلى فقدان الوعي، يمكن أن يتسبب في تلف عصبي تراكمي على المدى الطويل. هذا التلف قد يرتبط بزيادة خطر الإصابة باعتلال الدماغ الرضحي المزمن (Chronic Traumatic Encephalopathy - CTE)، وهو مرض تنكسي عصبي تدريجي يؤدي إلى مشكلات في الذاكرة، والمزاج، والسلوك، والتفكير.
ويمكن الإشارة إلى مفهوم إصابات الدماغ الرضية المتكررة (Repetitive Traumatic Brain Injury - rTBI) وعلاقته المحتملة بمثل هذه الممارسات، على غرار ما يحدث في رياضات أخرى مثل الملاكمة وكرة القدم الأمريكية.
وفاة مقاتل بسبب نزيف في المخ بعد منافسة صفع
والحقيقة أن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد، ففي أكتوبر 2021 سقط مقاتل بولندي يدعى أرتور فالتشزاك وأصيب بنزيف في المخ، ونقل الشاب البالغ من العمر 46 عامًا إلى المستشفى، ووضع في العناية المركزة، وتوفي في النهاية بسبب فشل عضوي.
هل يجني المتسابقون ثمار صفعاتهم؟
الإجابة نذكرها في حدود ما أتيح من معلومات عن قيمة جوائز تلك البطولات، فبعض الأرباح سرية لا يفصح المشاركون عنها.
أول بطولة فاز بها الروسي فاسيلي كاموتسكي، حصل على 30 ألف روبية أي ما يعادل وقتها 475 دولارا، لكن مع زيادة شعبية اللعبة واستحواذها على كثير من المشاهدات، تنامت قيمة الجائزة إلى أن تخطت 5 آلاف دولار، وفي بعض البطولات المنظمة مثل Power Slap League، قد تصل الجوائز إلى عشرات الآلاف من الدولارات للفائزين.
وعلى الرغم من جماهيرية اللعبة التي بدأت تتزايد، فإن مطالبات عدة انطلقت بوقفها فورا لما تسببه من أضرار صحية جسيمة للمتسابقين، خاصة بعد انتشار مقطع فيديو في 2023 لمباراة جمعت كومسا سيميون وجورتشيكا ألكسندرو، في إحدى البطولات برومانيا.
تلقى كومسا صفعات قوية فلم يصمد وجهه وبدأ في النزيف وتغيرت ملامحه من شدة التورم، ولكنه استطاع استكمال المباراة والفوز بها، ليحقق لقب البطولة، وسط تساؤلات كثيرين عن مستقبل ذلك الوجه المتورم، ويمكنك مشاهدة بعض اللقطات من مباريات صفع الوجه لترى أخطار هذه الرياضة.
هيئات تنظيمية وبطولات كبرى لرياضة صفع الوجه
ظهرت أولى البطولات المنظمة رسميًّا في روسيا تحت اسم «World Slap Fighting Championship»، وتبعتها بطولات محلية في أوكرانيا وبولندا ورومانيا.
في 2022 أُطلق “Superslap” في أوروبا الشرقية، وهو أول مهرجان يضم متسابقين من عدة دول تحت لواءٍ واحد.
فئات الوزن ومستويات المنافسة في رياضة صفع الوجه
تُقسم المنافسات عادةً إلى 3 فئات وزن: خفيف (أقل من 80 كغ)، متوسّط (80–90 كغ)، وثقيل (أكثر من 90 كغ)، و لكل فئة جولة تمهيدية (8–16 متسابقًا) تجري بنظام خروج المغلوب حتى النهاية.
قواعد التحكيم وتسجيل النقاط في رياضة صفع الوجه
- تُمنح نقطة لكل صفعة صحيحة تصيب الوجه دون أن يخسر الخصم توازنه.
- الصفعة التي تسبب فقدان الوعي أو النزيف الشديد تحسم الجولة لصالح المهاجم تلقائيًا.
- يوجد 3 حكام يسجلون في بطاقات مستقلة، والفائز هو من يجمع غالب الأصوات.
أساليب تدريب رياضة صفع الوجه
- تمارين تقوية الرقبة (Neck bridges) لتقليل ضغط الصفع على الفقرات.
- تدريبات تقليدية على الإبطاء (Isometric holds) لعضلات الوجه والفك.
- تدريبات تنفسية (Breath control) لامتصاص الصدمة وتقليل استسلام الأعصاب.
الإجراءات الطبية ومراقبة السلامة
- فحص طبي شامل قبل كل بطولة (صورة دماغ بالرنين المغناطيسي، وفحص للتوازن العصبي).
- تغطية الأسنان والفم بحماية بلاستيكية خفيفة (mouthguard).
- وجود طبيب أعصاب وطبيب طوارئ في موقع المنافسة دائمًا.
المنظور القانوني والأخلاقي لرياضة صفع الوجه
يمكن التطرق إلى الجدل القانوني والأخلاقي الدائر في رياضة صفع الوجه، هل يمكن عدُّها نشاطًا يهدف إلى إلحاق الضرر بالخصم حقيقية؟ ما المسؤولية القانونية للمنظمين والمشاركين في حالة الإصابات الخطيرة أو الوفاة؟ هل تتوافق هذه الممارسة مع مبادئ السلامة والروح الرياضية؟
من الناحية القانونية والأخلاقية، يرى عدد من الخبراء أن «قتال الصفعات» يتجاوز حدود المنافسة الرياضية المشروعة بسبب الهدف الأساسي المتمثل في إلحاق الأذى بالخصم بطريقة مباشرة وغير محمية، هذا يثير تساؤلات عما إذا كان يمكن للدولة أن تسمح بمثل هذه الأنشطة دون تحمل مسؤولية عن سلامة مواطنيها.
في هذا المشهد الدموي الذي يرتدي قناع «الرياضة»، تتصادم إثارة العنف والبحث عن الشهرة مع حقائق علمية دامغة وأرواح تُزهق، بين ملايين المشاهدات وتحذيرات الأطباء المدوية التي تدق ناقوس الخطر بشأن العواقب الكارثية المحتملة، يبقى السؤال معلقًا: هل يمكن لإغراء المال أن يُعمي الأبصار عن الكارثة الصحية والإنسانية التي تكمن خلف كل صفعة مدوية في الحلبات؟ هل يستحق بريق الشهرة والأرباح المخاطرة بصحة الدماغ وحياة الإنسان في هذه المنافسة الغريبة؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.