كانت درنة تستعد لليلة أخرى عادية، ولم يكن في الأفق ما ينذر بالفاجعة، السماء ملبدة بالغيوم، والهواء مشبع برطوبة غريبة، لكن الناس واصلوا يومهم وكأن شيئًا لن يحدث، الأخبار تحدثت عن عاصفة، لكن من اعتاد البحر يعرف أن العواصف تأتي وتمضي، ولا أحد كان مستعدًا لما سيأتي.
لحظة العاصفة
عند منتصف الليل، انقلب كل شيء، انطلقت الرياح وكأنها وحش جامح يزأر في كل اتجاه. المطر انهمر بغزارة، كأن السماء قررت أن تسكب كل أحزانها على المدينة، لم يكن يوجد وقت للتفكير، فالماء تسلل إلى البيوت، ثم بدأ يجرف كل شيء في طريقه.
كان الظلام حالكًا، والصراخ يتردد بين الأزقة، والناس يحاولون الفرار، لكن المياه كانت أسرع، تبتلع الشوارع والمباني، وتحمل معها كل ما تجده في طريقها.
الدمار
مع أول ضوء للصباح، بدت درنة وكأنها لم تكن موجودة من قبل. لم يعد هناك شوارع، لم تعد هناك بيوت، فقط أطلال وركام ومياه راكدة تخفي تحتها كل شيء.
وعلى الشاطئ، حيث كان البحر دائمًا رمزًا للحياة، تحولت أمواجه إلى مقبرة جماعية، حيث كانت الرمال تستقبل أقدام الصيادين صباحًا، تمددت جثث جرفتها المياه، بعضها ما زال يحتضن الحياة، وبعض آخر لم يترك وراءه سوى مقتنيات متناثرة: هاتف، محفظة، صورة قديمة. وما زال في ذاكرتي صوت ذلك الرجل حين كان يصرخ ويقول: "وقف الميه يا ربي!". كان صوته يتردد بين الأنقاض وكأن المدينة كلها تنادي معه.
التضامن في وجه الكارثة
في وسط الخراب، لم يكن يوجد وقت للبكاء، أيادٍ امتدت تبحث عن الناجين، أصوات تنادي الأسماء، أعين تفتش بين الركام عن وجه مألوف. فرق الإنقاذ جاءت من كل مكان، ولكن قبلهم، كان أهل درنة يسابقون الزمن لإنقاذ من تبقى.
الجميع فقد شيئًا، والجميع كان عليه أن يكون قويًا من أجل الآخرين. في هذه اللحظات، لم يكن يوجد فرق بين الغريب والقريب، الكل صار عائلة واحدة تحاول أن تلملم ما تبقى.
بداية الإعمار
مرت الأيام، وبقي الألم محفورًا في وجوه الناس، لكنه لم يهزمهم. بدأوا بإزالة الركام بأيديهم، عادوا إلى شوارعهم المفقودة، بحثوا عن ذكرياتهم وسط الأنقاض، وأعادوا بناء ما تهدم.
كان الأمر صعبًا، لكنهم لم يعرفوا اليأس. درنة التي كادت أن تُمحى من الوجود، بدأت تنهض من جديد، نعم كان الجرح عميق، ولكن الإرادة كانت أعمق.
الأمل
مع مرور الوقت، تعلم الناس كيف يمضون قدمًا، على الرغْم من أن البحر لم يعد كما كان وأن المدينة صارت تحمل ندوبًا لا تمحى؛ فإنهم عرفوا أن الرياح العاتية قد تأخذ كل شيء إلا الأمل.
وهكذا، بقيت درنة، على الرغم من كل شيء، شاهدة على أن الحياة تستمر، وأن من عاشوا هذه الليلة السوداء لن ينسوا أبدًا كيف وقفوا في وجه العاصفة، وكيف أعادوا بناء مدينتهم بأيديهم.
رائعة دائماً يا اسماء
أنت أروع عزيزتي
ربنا يوفقك دوما
ربنا يوفقك دوما
رائعة...........جدا. ابداع..........لمبدعة
🌹🌹🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.