قد يختلف النقاد والكتاب والمتخصصون في القيمة الجمالية والفنية لرواية الشوك والقرنفل للقائد الثوري يحيى السنوار التي كتبها في أثناء مدة اعتقاله في السجن.
لكن لا أحد يختلف أبدًا على القيمة التاريخية والاجتماعية والسياسية وربما الإنسانية للرواية التي تعد بحق حكاية وطن، وتمثل تجربة سردية مدهشة للقضية الفلسطينية.
استطاع فيها يحيى السنوار أن يضعنا على أرض الواقع الفلسطيني اليومي بمجموعة من العلاقات والتطورات التي يمكن عدها سيرة ذاتية له على المستوى الشخصي، وشهادة على الأحداث التي عاشها.
قد يعجبك أيضًا ملخص رواية ساق البامبو للكاتب سعود السنعوسي.. روايات عربية
لماذا رواية الشوك والقرنفل؟
كان على يحيى السنوار أن يستمر في المقاومة أو ينتهي في السجن، ولأنه اختار أن يقاوم، فكان عليه أن يختار الفعل المناسب للمقاومة، فوقع اختياره على الرواية.
ربما لأنه الأسلوب الوحيد الذي يحتمل الحكي والسرد والتطور التاريخي على مدار سنوات القضية التي عاشها يحيى السنوار بنفسه، وربما لأنه يستطيع أن يفرغ ما لديه من تفاصيل وأحداث وآراء في هذا العمل.
كذلك فقد اختار يحيى السنوار أن يكتب سيرته في رواية، لتكون مخرجًا جيدا لا يمكن أن يعاقب عليه من قبل السلطات الإسرائيلية في حالة وجود معلومات أو مواقف يسردها داخل العمل، وكذلك حتى يستطيع أن يروي ما حدث على لسان أفراد وهميين.
وعلى هذا لا يمكن توجيه اللوم إلى أي من القادة والثوار والمناضلين الحقيقيين، كما يستطيع يحيى السنوار بالرواية أن يمتنع عن ذكر الأسرار والأمور التي قد لا تكون في مصلحة قضيته.
ويكفي أن نقرأ التصدير الذي كتبه يحيى السنوار في بداية الرواية حينما قال: «هذه ليست قصتي الشخصية وليست قصة شخص بعينه على الرغم من أن كل أحداثها حقيقية وتخص هذا الفلسطيني أو ذاك».
لذا فقد كانت رواية الشوك والقرنفل نوعًا من أنواع المقاومة ضمن إطار أدب السجون، وكتبها يحيى السنوار في السجن الذي أمضى فيه 23 عامًا.
وربما ما أعطى الرواية بعدًا آخر هي تلك الظروف التي صاحبت خروج الرواية من السجن، فقد تناقل المساجين أوراق الرواية ونسخها وتهريبها إلى الخارج، وهو ما يضعنا أمام عمل استثنائي على مستويات عدة.
قد يعجبك أيضًا أدب المقاومة.. حين تصعد اللغة على جبهة القتال
ملامح رواية الشوك والقرنفل
على المستوى الفني لا نستطيع أن نقول إن الرواية تتمتع بكثير من الجماليات والقيم الإبداعية، وإنها تمثل حدثًا أدبيًّا كبيرًا، لكننا أيضا لا نستطيع أن نقول إنها تخلو من الشكل والمحسنات والأساليب اللازمة لكتابة وتأسيس عمل روائي محترم.
وتتسم الرواية على مستوى اللغة بسلاسة وتدفق جميل يسمح للقارئ أن ينغمس في التفاصيل ويعيش التجربة بهدوء دون تعقيدات أسلوبية أو درامية، وتحمل الرواية في طياتها عوامل تدفقها وانتقالها من مرحلة إلى أخرى.
يحاول الكاتب يحيى السنوار في الرواية طرح خطوط سردية عدة تتحرك باستمرار في مشاهد ترتبط ببعضها بعضًا.
فيوجد خط تاريخي يحكي عن القضية الفلسطينية والأحداث التاريخية التي ارتبطت بها مثل أحداث النكسة في عام 1967 ثم حرب 1973، وكيف أظهرت ضعف العدو المتعجرف، وكذلك الانتفاضة والمقاومة التي تطورت مع الزمن والأحداث الخارجية والداخلية التي وصلت بالمقاومة إلى هذه المرحلة من القوة، وأظهرت نقاط الضعف الخافية فيما يخص العدو.
الخط الثاني هو الحياة الإنسانية في فلسطين على الرغم المقاومة والأحداث والانتهاكات والظروف الصعبة، فيحكي عن التفاصيل البسيطة التي قد تمنحك الإحساس بالدفء والبهجة للحظات، وتمنحك كثيرًا من القلق والغضب في لحظات أخرى.
لكنه يجد نفسه ملزمًا بإكمال هذا الخط الذي يتحدث عن الأطفال والشباب والحكايات التي تجمع الفلسطينيين بعضهم ببعض، لتخرج أجمل ما في إنسانيتهم، وتظهر هذا الوجه المحب للحياة والسلام الذي يبحث عن الاستقرار والحب والحياة الهادئة.
أما الخط الثالث فنعتقد أنه الخط الأساسي في الرواية الذي يوضح اتجاهات التفكير والميول والآراء المختلفة داخل المجتمع الفلسطيني الذي يراه يحيى السنوار خلاف طبيعي داخل الأسرة الواحدة، فهناك مؤيدو لحماس وهناك المتحيزون لفتح وهناك من لا يتحيز لهذا أو لذاك.
وبذلك يعرض في روايته وأحداثها والنقاشات التي تدور بين أبطال الرواية وجهة نظر كل طرف، لكنه يؤكد في الأخير بواسطة الأحداث أيضًا إنه خلاف من أجل مصلحة الوطن، وأنه إن كان على أي طرف أن يختار الانحياز إلى هذا أو ذاك فهو قد انحاز إلى الوطن وإلى القضية، وربما كانت هذه الرسالة الأصيلة التي يرغب يحيى السنوار في إرسالها في روايته الشوك والقرنفل.
نستطيع أن نلمح في رواية الشوك والقرنفل بعض الأمور ذات الدلالات التي لا تحتاج إلى تفكير عميق.
على سبيل المثال قد أطلق الكاتب على نفسه على غلاف الرواية لقب (الأسير)، وهو رمز وتوصيف للقضية التي يمثلها بكونها قضية حرب، وكون وجوده في السجن نوعًا من أنواع الأسر، وليس ما فعله جريمة، لذا فهو متوافق تمامًا مع ما يفعل وأنه يرفض أن يكون النضال جريمة.
كذلك يؤكد الكاتب والمناضل يحيى السنوار في سرده للأحداث على الحق التاريخي لبلاده في إثبات الجغرافيا، فيسرد الأحداث داخل نطاق جغرافي يحاول العدو محوه وتبديله، فيحرك الكاتب الأبطال داخل الرواية بين قرى ومدن وشوارع بأسمائها الحقيقية، تلك الأسماء القديمة التي يعرفها الفلسطينيون.
وبذلك تصبح الرواية مرجعًا تاريخيًّا، وليس فقط عملًا أدبيًّا، وهو أمر مقصود حتى ولو لم ينتبه إليه القراء، فالرواية تحفظ للوطن عاداته وتقاليده وخصوصيته وجغرافيته، وتفسير أبنائه لتاريخه حتى لو كان هذا التاريخ يزيفه العدو.
في الرواية ملمح مهم تحمله الرواية التي تعد في كاملها رسالة إلى الأمة العربية، فقد اهتم يحيى السنوار كثيرًا باستخدام اللغة العربية الفصحى في سرد الأحداث، وكذلك في الحوار بين أبطال الرواية، وهو أمر يجب الانتباه إليه جيدًا.
فلم يستخدم الكاتب اللهجة الفلسطينية إلا في أضيق الحدود، ثم عمد إلى شرح هذه اللهجة بالعربية الفصحى، وذلك حتى تكون الرسالة (رسالة عربية) وليست فلسطينية، وكذلك لأن اللغة في هذه الحالة تمثل الهوية التي هي إحدى أسس المقاومة.
ولم ينس يحيى السنوار في هذه الرسالة كونه أحد أبناء الحركة الإسلامية، لذا فإنّ اللغة العربية الفصحى كانت الحجر الذي ضرب به عصافير عدة.
أما الملمح الذي رسخت له الرواية على مستوى السرد وعلى مستوى ظهورها منتجًا أدبيًّا، ونوعًا من أنواع المقاومة، فهو أن السجون الإسرائيلية أصبحت مدرسة لتعليم الفلسطينيين.
فمنهم من يتعلم القراءة والكتابة والعلوم المختلفة داخل السجن على أيدي المتعلمين والمثقفين، ومنهم من يتعلم كيف يناقش ويحلل، وكيف يفهم القرار، وكيف يحكم على الأمور بنظرة أكثر عمقًا وأكثر وعيًا.
وقد علمت السجون الإسرائيلية الفلسطينيين ثقافة الاختلاف وتعدد الأيديولوجيات وقبول الآخر الفلسطيني صاحب وجهة النظر المختلفة، بل ودفعتهم إلى تبني هذا المناخ الصحي.
لذا فإنّ الكاتب يحيى السنوار يبتسم في الرواية للسجون الفلسطينية، ويكاد يخرج لسانه لعدوه، أو كأنه يقول إن هذا التضييق وهذه العقوبة صارت سلاحًا جديدًا ضدك.
قد يعجبك أيضًا ملخص رواية مئة عام من العزلة.. تعرف الآن
ملخص رواية الشوك والقرنفل
تدور أحداث رواية الشوك والقرنفل على مدار أكثر من 35 عامًا في حياة عائلة فلسطينية تعيش في مخيم الشاطئ في غزة، وهي العائلة التي يستخدمها الكاتب رمزًا للمجتمع الفلسطيني، فتواجه هذه الأسرة أحداثًا عدة منذ عام 1967.
وعندما هُزم العرب مرورًا بأحداث داخلية وخارجية عدة وتأثيرها على المجتمع الفلسطيني بواسطة ما تأثرت به الأسرة وأفرادها، إضافة إلى إلقاء الضوء على معاناة الفلسطينيين اللاجئين في المخيمات والحلم الدائم بالعودة إلى المدن والقرى المهجرة.
تعد التفاصيل الكثيرة التي تمثل معاناة الأسرة داخل المخيم مدخلًا مهمًّا في بداية الرواية، ومنه تستطيع التعرف على أوضاع صعبة وظروف سيئة يجب على هذه العائلة أن تتحداها، إضافة إلى التعاون بين أفراد العائلة الذي يخفف قليلًا من وطأة المعيشة.
ويحاول الكاتب بواسطة مسيرة العائلة وصف المجتمع الفلسطيني، ليس فقط على مستوى السكان وإنما على مستوى المكان والجغرافيا، فترى مدينة الخليل والمسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى.
تتوالى الأحداث للعائلة الفلسطينية التي تتشتت كما حدث للوطن، ثم تتنوع اتجاهات أفراد العائلة، فمن هم من يتجه إلى حركة فتح، ومنهم من يتجه إلى حركة حماس، لكنهم جميعًا على الرغم من اختلافاتهم يحملون قضية فلسطين في قلوبهم، ويجتمعون على فكرة المقاومة.
كان اختيار الشخصيات الرئيسة في الرواية ضمن العائلة الفلسطينية يحمل كثيرًا من الرمزية، لكنه لا يحمل كثيرًا من التعقيد.
فيمكنك أن ترى في أحداث الرواية أن كل فرد يمثل تيارًا ما، ويرمز إلى موضع حجر في بناء العائلة التي هي الوطن، فالأم تؤدي دورًا كبيرًا في الحفاظ على هذه الأسرة.
وبذلك نرى الأم الفلسطينية ونرى فلسطين نفسها التي تحاول الحفاظ على أبنائها، فهم يعنون بقاء الوطن، وإذا ضاع الأبناء ضاع الوطن، وكذلك أبناء العائلة الذين يعبرون عن انتماءاتهم في النقاش والجدل، ويطرح كل منهم رؤيته.
وبذلك تعرف أن كلًّا منهم هو رمز لحركة أو اتجاه أو جماعة تستطيع بواسطته أن تفهم أهداف ورؤية واستراتيجية ما ينتمي.
قد يعجبك أيضًا ملخص رواية الأمل داخل الكابوس
الشخصيات الرئيسة في رواية الشوك والقرنفل
أحمد/الراوي الذي يسرد أحداث الرواية، وهو شاب صغير يحب والدته لكنه يحمل طموحًا كبيرًا لأن يصبح فاعلًا، ويرغب بالسير بخُطا قوية على طريق النضال والمشاركة في تحرير بلاده، لذا فإنه يتلمس ذلك الطريق بواسطة إبراهيم ابن عمه بطل الرواية الذي يمثل حماس وأخوه محمود يمثل حركة فتح.
أم محمود/الأم الفلسطينية التي تمثل الوطن وتتحمل الصعاب بعد أن يختفي زوجها بعد حرب عام 1967، فربَّت وحدها أبناءها السبعة ورَعَت طفلين هم أبناء سلفها (أخو زوجها) الذي استشهد أيضًا في الحرب، وقد تزوجت أمهم وتركتهم لأم محمود التي تحاول الحفاظ على هذا الكيان بكل ما تملك من قوة.
محمود /الابن الأكبر الذي درس الهندسة في مصر، ثم عاد إلى فلسطين مرة أخرى ليكمل طريق المقاومة والنضال الذي يعارض التيار الإسلامي عمومًا، وحركة حماس خاصة، لذا نرى نقاشًا حادًّا وجدلًا متواصلًا بينه وبين ابن عمه إبراهيم الذي يمثل حركة حماس ويشرح أهدافها واستراتيجيتها.
إبراهيم/يعد إبراهيم هو بطل الرواية وهو الشاب الذي قد يمثل يحيى السنوار كاتب الرواية الذي يحكي فيه سيرته الذاتية، فهو شاب ملتزم عصامي ينتمي إلى حركة حماس درس في الجامعة الإسلامية، وعلى الرغم من انتمائه للجماعة وقيامه بالعمل النضالي؛ فإنه كان يعمل في مجال البناء والتعمير، وكثيرًا ما تعرض للاعتقال والتهديد.
ومع أننا حاولنا في هذا العرض أن نشير إلى الرسائل التي نعتقد أن الكاتب يحيى السنوار أرادنا أن نقرأها ونرددها، وكذلك أوضحنا بعض الملامح المهمة في بناء الرواية، لكننا حاولنا بقدر الإمكان ألا نسرد الرواية وحرق أحداثها كي لا نسلبك تلك المتعة في قراءتها في وقت ما.
وعلى هذا نتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة والحماس الكبير لقراءة رواية (الشوك والقرنفل) للكاتب والمناضل يحيى السنوار.
ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
حقاً، مقالاً يستحق القراءة، بكل ما جاء بها من وصف فقد صدق الكاتب بما نشر، ورحم الله شهيد الأمة أبا إبراهيم، فقد وضع لنا رواية تستحق أن تأخذ منا الوقت لقراءتها والتعمق بأحداثها، بسيطة سهلة غير معقدة، لكنها تشد القارئ لاستكمال ما بدأ قرائته، أنا انصح فعلا كل من تقع بيده الرواية ان يقرأها مرة واثنين وثلاثة ... دمت حياً في قلوبنا أبا إبراهيم، جعل لك رب العرش العظيم من الفردوس الأعلى نصيباً
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.