رجل ماتت زوجته وكان له منها طفلان، بنت وولد، مضت الأيام يوم يليه الآخر، وبعد تفكير طويل قرر الزواج بامرأة أخرى.
لم تكن ترغب الزوجة بـوجود أطفال زوجها في البيت، كانت تصحو عاقدةً حاجبيها لينظر الزوج ناحيتها:
-ما بالكِ؟ مالي أراكِ غاضبة؟
أدارت وجهها ناحيته ناظرة في عينيه نظرات تملؤها الجدية طالبة منه أن يختار بينها وبين أطفاله..
يبعد الزوج نظره، يحدق في الأرض يملؤه الشرود، عم الصمت المكان، وبعد تفكير طويل طلب منها أن تسمح له الليلة أن يسهر مع أطفاله لتكون آخر ليلة يقضيها معهم.
وأردف يطلب منها أن تصنع كيساً من الكعك وتملأ الكيس الآخر دقيقاً وتملأ قارورة الماء.
وافقت الزوجة بابتسامة عريضة وكأنها ملكت العالم، وفي الصباح أيقظ الرجل أولاده ليخبرهم، اليوم سوف نخرج في نزهة.
فرح الأطفال وعَمَّهم السرور، لا يعلمون أي جحيم ينتظرهم..
وبعد أن خرجوا من البيت بعد أن قطعوا مسافة طويلة، وصلوا إلى مكان فيه كهف صغير، طلب من صغاره وقرة عينه البقاء فيه إلى أن يقضي حاجته ويعود، وكعادة الصغار هزا برأسيهما كعلامة للموافقة.
مر وقت طويل، ولكن الأب لم يعد، أفلت الشمس، وانزاح النور ليعم الظلام، لكن الأب لم يعد، عم القلق الطفلين والخوف على أبيهما، والخوف من وحشة المكان.
مرت الساعات ساعة تلو أخرى، وهنا أدرك الأطفال أن أباهم لن يعود، أخرجوا الكيسين ليأكلا من طعامهما، فتحت هند الكيس الأول لتجد فيه فضلات حيوانات، وفتحت الكيس الأخر فوجدت فيه رماداً..
الشعور بالجوع يكاد يقتلهما، وكانت المفاجأة، دخلت عليهما امرأة بجناحين تشع بالنور، شعر الطفلان بقليل من الفزع والدهشة لتخبرهما:
-أنا أمكما، وقد جئت حتى أطعمكما..
فرحا كثيراً بذلك حد البكاء، وضعتْ أمامهما بعضاً من الطعام، طعام كفيل بإشباع جوعهما.
قاما بتناول الطعام وبعد شعورهما بالتخمة، ناما مع أمهما، حتى بزغ الفجر، ومع زقزقة العصافير أيقظتهما الأم وطلبت منهما ألا يخبرا أحداً بأنّ أمهما أتت أو قامت بزيارتهما ليلاً، ثم طارت بعيداً.
كانت تأتيهما ليلاً، وتغادرهما صباحاً، وفي اليوم الثالث من شعور الأب بتأنيب الضمير والكوابيس المزعجة، وأطفاله لا يغادرون تفكيره، قرر الذهاب إلى طفليه حتى يعود بهما إلى ديارهما.
ارتدى سترته الجلدية، ودلف إليهما في الصباح الباكر، لكنه حين وصوله أدرك حجم خطئه، فقد رآهم بحالة يرثى لها فدمعت عيناه.
دلف ناحيتهم بخطوات بطيئة حتى يقوم بإيقاظهم، اقترب منهم، وماهي إلا ثوانٍ حتى صرخوا:
-أبي..
بنبرة حزينة تعجّ بالبكاء أخذ بالجري إليهم وضمهم إلى صدره يتحسس خصلات شعرهما بأنامله، قالت هند:
-لا تخف يا أبتِ، أمي كانت تأتي من الجنة كل يوم وتطعمنا وتنام بجانبنا حتى الصباح، لكن لا تخبر أحداً.
شعر الأب بصدمة هائلة مما سمعه، فهو يراهم بحالة جوع قاتلة، وهم يقولون بأنهم يأكلون كل يوم.
لم يجد ولو دليلاً واحداً على أن ما يقولانه صحيح، فهما لا يملكان سوى القليل من الماء، عرف بأنهما أصبحا يهذيان من الجوع والشوق لحنان أمهما، فأمهم ماتت، كيف لعاقل أن يصدق ما سمع؟
هل نعيش في قصة خيالية؟
فبادر إلى سؤالهما:
-والطعام الذي كان في الكيس، أين ذهب؟
أجابه منصور:
-لم يكن يوجد في الكيس سوى فضلات ورماد..
ربت الأب على ظهريهما، وشحب وجهه، والغضب ينتابه مما فعلته زوجته الخبيثة، أمسك يد طفليه وعاد للمنزل، حين وصوله قام بطلاق زوجته، وعاش مع طفليه بسعادة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.