دخلا المطعم معاً، وجلسا على الطاولة يتناولان الطعام على أنغام الموسيقى الكلاسيكية التي تأتي من الخلفية، يتجاذبان أطراف الحديث، كان ينظر أثناء الحديث إلى عينيها الساحرتين بطرف عينيه، نظرات متكررة يتأمل ملامحها البريئة وضحكتها الأخّاذة المشرقة، لم يفته أن يثني على أناقتها وذوقها الرائع في اختيار ملابسها، وأن يبدي إعجابه بتسريحة شعرها، وعطرها الهادئ، ومكياجها المتقن.
ذهبا معاً إلى السيارة بعد تناولهما الغداء، جلست بجواره، شعرت بارتباكه، وأن هناك شيئاً بداخله يريد أن يفصح لها عنه، وقبل أن يدير محرك السيارة نظر إليها بعينيه العميقتين وفي لحظة فارقة في حياتهما اعترف بحبه لها قائلاً: أحبك، أحبك منذ أول يوم وقعت عيني عليك، أنت أميرتي التي طالما زارني طيفها في أحلامي، ونصفي الآخر الذي ظللت أبحث عنه طويلاً.
احمرّ وجهها من الخجل، وتلعثمت في كلامها، وسبق صمتها كلماتها، وهيمن الصمت على المكان كأنهما في جزيرة منعزلة لا أحد يسكنها، إنها لا تصدق أذنيها، وتكاد تطير فرحاً مما سمعته، لطالما تمنّت أن يبادلها الحب ونفس الشعور، وها هو الآن يعترف بحبه وعشقه لها.
امتدت يداه لتحتضن يديها، ويضغط عليهما بقوة كأنه يريد أن يطمئنها وهو يسألها عن حقيقة مشاعرها تجاهه، وهل هي أيضاً تبادله نفس الإحساس والشعور!
احمر وجهها خجلاً، ولم تجبه، ثم عاد يسأل بإلحاح وتوسل هل تحبينني؟ فأجابت: نعم، وأنا أيضاً أحبك، همست بتلك الكلمات وقد اشتد احمرار وجهها، وأدارته بعيداً عن وجهه، ووجهت نظراتها بعيداً عن عينيه، فدفع وجنتها بأنامله في رفق ليصبح وجهها في مواجهته، وأخد يتأملها بعمق، كانت جميلة، بل فاتنة، أغمضت عينيها العسليتين تحت وطأة نظراته، لكنه قال بصوت حالم: حبيبتي، أريد أن أرى صورتي في عينيك.
فنظرت إليه بعينين لامعتين، ووجدت نفسها في التو واللحظة تريد الاختباء فى صدره من الدنيا بما فيها، تريد أن تتقوى بحبه على كل من حاولوا إضعافها، تريد أن تشعر بداخله بالأمان الذي افتقدته، إنها تشعر بحاجتها إليه كما يعبر هو لها عن حاجته إليها بنفس المقدار، وبقوة متبادلة لم يعد هناك مجال لإنكار هذا الحب المتنامي، ولا لإيقاف تلك المشاعر الجارفة، ولا لتقليل هذا التعلق المتزايد.
كان يقول لها بنظراته: قلبي متعلق بك ومتمسك بقلبك في كل الظروف، وكانت تقول له بإحساسها المتقد: كن حريصاً على نفسك لأجلي، ليس عندي استعداد أن أخسرك بعد أن وجدتك، وانبعث صوت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ من مذياع السيارة كأنه جاء من العالم الآخر ليغني خصيصاً لهما: "حرام نسكت على قلوبنا، حرام الشوق يدوبنا.. بلاش نهرب بلاش نتعب.. تعال نحب ونسلم بأمر الحب"، وكأن القدر اختار لهما هذه الأغنية بعينها لتترجم هذا الإحساس السماويّ العجيب الذي جمعهما سوياً في نفس اللحظة.
هذا التوافق الغريب الذي لا تفسير له في عالم المنطق، ثم انطلق بالسيارة على الطريق الطويل حتى اختفيا عن الأنظار!
عادت إلى المنزل سعيدة كأنها استيقظت لتوها من حلم جميل بعد أن اعترف لها بحبه، وبعد أن قضيا معاً أوقاتاً ممتعةً حالمةً مرت بسرعة البرق، كان يوم فارقاً في حياتها، ودّت أن يخلده التاريخ، ويتخذه العشاق والمحبون يوماً للحب وعيداً لهم، وأن تدون تفاصيله في روايات العشق وقصص الحب والغرام.
في المساء ارتدت منامتها الساتان الوردية وأوت إلى فراشها، واحتضنت وسادتها وضمتها إلى صدرها بقوة، حاولت أن تغمض عينيها لتنام، ولكن خياله الوسيم طاردها وكادت تشعر بأنفاسه الحارة تلفحها، استعصى عليها النوم وتردد صوته الهامس فى أذنيها: أحبك، أحبك منذ أول يوم وقعت عيني عليك، أنت أميرتي، فظلّت مؤرقة طول الليل، ومازالت صدى كلماته تتردد في أذنيها، وصورته عالقة أمام عينيها، أخيراً نامت مع خيوط الفجر الأولى، بالرغم من ذلك فقد رأته في منامها، فهو مؤكد فارسها وفارس أحلامها.
يتبع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.