قالت بغضب بعد أن رمت أوراق تسجيلي في وجهي: "أنا لن أقبل بوجود شخص همجي مثلك في مدرستي، لا تتصرفين كفتاة مُحترمة ولا تحترمين معلماتك وتؤثّرين سلبًا على زميلاتك، غادري ولا تعودي" .
كان طردي من مدرسة الثانوية للبنات أفضل ما يمكنُ أن يحصل لي اليوم، هكذا لن تجد ليندا حجةً لإعادتي للمدرسة وسأجد الوقت الكافي للبحث عن عمل يعيل كلتينا دون أن تُنغّص المدرسة على حياتي أكثر من هذا.
هذه المدينة، لا تحوي سوى الظلمة والبشاعة، لذلك توجب عليّ أن أكون قاسية، حادّة ومتمردة، أطمسُ هويتي الأنثوية أسفل ملابس الصبيان التي أرتديها دائمًا، إلى حين جمعي مبلغ جيد لي ولليندا ومغادرة هذا المكان المقيت، وإن لم يكن من أجلي... فعلى الأقل من أجلها.
والآن ما في جيبي يكفي فقط لأشتري علبة سجائر رخيصة، وحتمًا سأدخنها على سطح المخزن في الميناء، ثم سأعود للمنزل لأتلقى توبيخ ليندا شقيقتي الغالية.
...
الساعة السادسة مساءً
عادت سارة الشابة الصغيرة لمنزلها المتواضع في أحد الأحياء الفقيرة لمدينة كوادروم، حيث كانت ليندا قد قطعت فناء المنزل مرات عدة وهي تنتظر شقيقتها الصغرى، وحالما فتحت سارة الباب، استقبلتها صفعة مفاجئة على وجهها.
سارة: ما اللعنة؟!
بصوت حاد وبعيون دامعة صرخت ليندا: أين كنتِ حتى الآن آنسة سارة؟!
سارة: أولاً، شكراً لكِ على هذه الصفعة الجميلة، ثانيًا لقد كنتُ أبحث عن عمل لهذا تأخرت قليلاً.
ليندا: كاذبة، أنت فتاة عفريتة وشقية وكاذبة أيضًا، لقد اتصلت مديرة مدرستك وكان الأمر.. اه سارة! كان الأمر محرجًا، لقد توسلت لها كي تعيدك للمدرسة و...
قاطعتها سارة بصوت عالٍ: ماذا؟! ومن قال أني أريد العودة؟! قلت لكِ سأبحث عن عمل لكلينا، لا أدري ماذا ستفيدني المدرسة!
رفعت ليندا الغاضبة صوتها فوق صوت سارة وجحظت عيناها وقالت: عمل؟ أي عمل تستطيع فاشلة مثلك القيام به؟ كنس الحدائق؟ نادلة في مطعم؟ ما الذي تستطيعين فعله دون شهادة؟
وضعت سارة يديها على أذنيها ومشت نحو الطاولة الخشبية وقالت: لو لم أجد عملاً فأنا حتمًا سأجد إيليا وسأدفعه للقيام برعايتنا.
تصفع ليندا جبهتها وتضحك مستهزئة: أخاكِ ذاك انسيه تماماً، لا تضعي آمالك في الوهم.
تمسك سارة مكعب روبيك في يدها الذي تركته على الطاولة صباحًا وتقول: سمعتُ أنه في الحي السابع وأنه يختبئ في معمل الحديد القديم مع الكثير من المال.
تقترب منها ليندا وتأخذ المكعب منها وتقول: إياكِ حتى في التفكير بالذهاب إلى هناك، إيليا أخانا قد رحل عن هذا العالم منذ هروبه من هذا المنزل، لم يبقَ سوى إيليا رجل العصابات.
تقول سارة: بما أنك أمسكت المكعب أعيدي بعثرته لي.
تنظر ليندا للمكعب بدهشة وتقول: ألحقت أن تقومي بحله بهذه السرعة! يا فتاة لو أنني أجد لك عملاً في حل هذه المكعبات لأصبحنا الآن من الأثرياء.
تنزل سارة رجليها من على الطاولة وتتمطط وتقول: على أي حال، أنا أموت جوعًا، هل يوجد ما أكله؟
ليندا تجيب: ولا حتى كسرة خبز، خالتك اتصلت فاذهبي وباتي عندها الليلة.
سارة: ألن تأتي معي؟
ليندا: عليّ أن أقوم بتصحيح أوراق الدكتور قبل ذهابي للجامعة، اذهبي لها من المؤكد ستعطيك مصروفًا وطعامًا.
سارة: سأذهب، وسأحتفظ بحصتي من الطعام لك.
ليندا تهز رأسها: لا تقلقي بشأني، تناولت شطيرة في المقصف لذلك لست جائعة.
...
( ينتهي الشجار بيني وبين ليندا بشكل أو بآخر، إنها الشيء الوحيد الذي أحارب من أجله، حتى لو بدوت طائشة ورعناء معها طوال الوقت، لكن مع الوقت قلقي على مستقبلنا يزداد، ثم إن ليندا معها حق، ماذا بإمكان فتاة مثلي أن تعمل؟ من الذي سوف يقبل بي كي أعمل عنده؟ أمي وأبي وحتى أخي لم يكونوا سندًا جيدًا لكلينا فكيف لهذا العالم المتوحش أن يفعل؟ لا بد لي أن أقفز قفزة نحو المجهول، حتى لو عنى ذلك المخاطرة.
لكن مهلاً لحظة! من عساه يبيع مكعب روبيك أبيض كبير كهذا؟! )
لاحظت سارة أثناء سيرها نحو منزل خالتها، متجرًا قديمًا بواجهة مكسورة يحوي بعض الحُلي النحاسية والأشياء الباهتة، عدا مكعب روبيك كبير الحجم بستة وجوه بيضاء تمامًا من دون أي لون.
اشترته سارة من باب الفضول فقط وقد قايضت البائع بعلبة السجائر التي معها.
وعندما أمسكته، لاحظت أنه أكبر وأثقل بكثير من أي مكعب ألغاز بلاستيكي، حاولت تدويره بيديها لتجد أنه يدور بصعوبة كما لو أنه يقاوم التحريك، كمبتدئ يحاول الإمساك بمقود السيارة لأول مرة، بستة وجوه بيضاء كاملة لا تعني شيئًا حتى لو قمت بتدويرها.
فرمته في قعر حقيبتها وأكملت نحو منزل خالتها، في تلك الليلة، نامت سارة على الأريكة في غرفة الجلوس، ووضعت حقيبتها على الطاولة بمحاذاة الباب.
لكنها في صباح اليوم التالي، استيقظت لتجد الأريكة التي تنام عليها قد أصبحت بطريقة ما بالقرب من الطاولة.
طرفت عينيها مرات عدة لتفهم ما جرى، كل ما لاحظته أن الأريكة لم تعُد في مكانها عند زاوية الغرفة كما يفترض لها أن تكون، وهي نفسها لم تقم بتحريكها، بينما خالتها تقوم بتوبيخها لصنعها الفوضى في الغرفة، لكن سارة لم تكن تفكر سوى بشيء واحد (كيف عساي وصلت إلى هنا؟)
نهضت ومدت يدها نحو الحقيبة وأخرجت المكعب منها ثم قالت: أيعقل أنه!
يتبع...
مارس 31, 2023, 12:29 ص
جميل بالتوفيق
أبريل 8, 2023, 2:50 م
شكراً
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.