رواية"عويشة".. فتاة فى معترك الحياة

"عويشة" تصغير لاسم فتاة تُدعى"عائشة" في العقد الثالث من عمرها، تنحدر من أسرة ينهشها الفقر، تقطن بضواحي مدينة مراكش جنوب المغرب.

تركت مقعد الدراسة مُكرَهةً، في السنة السادسة من السلك الابتدائي، بسبب قساوة ظروفها الاجتماعية.

أبوها ميلود صانع تقليدي، يصنع نوقًا عبارة عن مجسمات جلدية، يبيعها لزوار المدينة بساحة جامع الفنا الشهيرة. وأمها زهرة منهكة الصحة، جسدها مستودع لأمراض شتى ألزمتها الفراش لسنوات عدة.

مما اضطر "عويشة" -وهي الأخت الكبرى للأخوين: محمد (عمره ست سنوات)، وإبراهيم (سنه تسع سنوات)- للخروج للعمل في سن مبكرة.

عملت خادمة في بيوت أثرياء المدينة في الحي الشتوي جليز، بحثًا عن لقمة عيش تعيل بها أسرتها، مساعدة لأبيها الذي يرتبط عمله الموسمي بقطاع السياحة الهش والمرتبط بتقلبات الأوضاع الدولية.

لا تزال تذكر "عويشة" -وقلبها ينزف ألمًا- حادث تفجير مقهى أركانة؛ انتشار كورونا وفترة الحجر الصحي... لحظات عصيبة، كان وقعها على"عويشة" وأسرتها ثقيلًا جدًّا... 

إنها فتاة لم تعش طفولتها البريئة، نضجت قبل الأوان، وشاخت في العنفوان؛ قليلة الحيلة، لم تترك مجالًا تكسب منه دريهمات إلا واقتحمته، فالأفواه في البيت مشرعة تنتظر من يسد رمقها. عانت المحن، كابدت المصاعب، لم تشتكِ ولم تتذمر، قدت عزيمتها من حجر، في زمن لا يرحم...

زبناء المقهى الذي استقرت أخيرًا للاشتغال به منظفةً؛ بعض الكرام منهم يشفقون من حالها، وينادونها: "عويشة الدرويشة" وترد عليهم بابتسامة خجولة دون  أن تنبس ببنت شفة. 

كان بودها أن تصبح نادلة ليزداد أجرها، وتتخلص من آلام تورم وتشقق يديها جراء إدمانها على غسل الصحون والكؤوس طوال النهار، لكن صاحب المقهى لم ير فيها المواصفات اللازمة.

  فـ "عويشة" نحيلة الجسم؛ شاحبة الوجه؛ صفراء اللون... لا تغري الناظرين... "أنا عاثرة الحظ " تقول "عويشة" بحرقة وأسى، ابن الجيران الذي أحبَّته، إبان ريعان شبابها، وتواعدا على الزواج، ضاق به الحال.

وهاجر سرًّا إلى أوروبا عبر زوارق الموت بحرًا، ولم يظهر له أثر... وهي الآن كلما جلست منفردة، يسرح بها الخيال، فترى أحلامًا وردية، تُمنِّي النفس بعودة حبيبها ذات يوم، ليُركبها على صهوة جواده، ويسافر بها إلى

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة