رواية «طائر النمنمة».. الجزء 39

لنكمل من حيث انتهينا في الجزء السابق

.............

في تلك الليلة، بعد العشاء، خرجتُ مع موجغان إلى أمام المنزل. كنا نسير بصمت نحو البحر.

قالت موجغان:

«يوجد شيء يشغلكِ يا فريدة... أنتِ لا تنطقين بكلمة».

بعد أن ترددتُ قليلًا، أجبتها:

«لا أستطيع إخراج تلك العبارة غير اللائقة التي قلتِها في النهار من رأسي، أشعر بالحزن».

فوجئت موجغان: «ماذا قلتُ؟»

«قلتِ: لستُ من الفتيات اللواتي يُلاحقن».

أطلقت موجغان ضحكة خفيفة:

– «لكن، وما دخلكِ أنتِ في هذا؟».

أمسكتُ بيديها، وامتلأت عيناي بالدموع، وبصوت خافت قلت:

– «هل أنتِ قبيحة يا أختي؟».

ضحكت من جديد، ثم داعبتني بلمسة خفيفة على خدي، وقالت مازحة:

– «لا قبيحة، ولا جميلة!.. دعيني أقول "متوسطة" لنُنهي الجدال بسرعة...».

ثم أضافت:

– «أما أنتِ، فهل تعلمين؟ إنكِ تصبحين شيئًا رهيبًا كلما كبرتِ!».

وضعتُ يديَّ على كتفي موجغان، وقرَّبت وجهي منها كأنني سأُقبِّلها، وقلت وأنا أمرر أنفي بلطف:

– «قولي عني "متوسطة" أيضًا، ولتنتهي المسألة».

كنا قد وصلنا إلى حافة التل.

بدأت أجمع الحصى من الأرض وأرميه في البحر، فاتبعتني موجغان.

لكن المسكينة لم تكن تعرف كيف ترمي الحصى، وكانت ذراعاها ضعيفتين.

بينما كانت حجاراتي تختفي في الهواء وتُحدث لمعانًا كالنجوم على سطح المياه البعيدة،

كانت حجارتها تصطدم بصخور التل بصوت مضحك، أو تسقط مباشرة على الشاطئ، وكنا نضحك بشدة.

كانت ليلة يغمرها ضوء القمر، وبحر يشبع بالرومانسية، ولأننا فتاتان شابتان كان من المفترض أن تلهمنا هذه الليلة الكثير!

لكن، ماذا يمكننا أن نفعل؟

جلست موجغان بعد قليل على صخرة كبيرة متعبة، وجلستُ أنا عند قدميها.

كانت تسألني عن زميلاتي في المدرسة.

فأخبرتها ببعض القصص عن ميسيل.

ثم دون أن أشعر، بدأت أتكلم عن القصة التي اخترعتها بنفسي.

لماذا فعلت ذلك؟

هل كان اعترافي لموجغان مجرد رغبة في الثرثرة؟ لا أدري.

لكن، على الرغم من أنني كنتُ أُحس أحيانًا بعدم لباقتي وأرغب في التوقف، لم أكن أستطيع كبح نفسي.

ما حكيته لموجغان، في نهاية الأمر، كانت قصتي حين خدعت صديقاتي بحكاية خرافية عن ذلك الذئب تقصد كامران. لكن كما كنت أتصنع الحزن في ذلك الوقت من أجل الدور، كنتُ الآن، على الرغم من عدم وجود أي داعٍ، أنغمس في ذلك الحزن مجددًا.

كنتُ أتحاشى النظر إلى وجه موجغان. أحيانًا ألعب بأزرارها أو بطرف تنورتها، وأحيانًا أضع رأسي في حجرها، ودائمًا أنظر إلى البحر، إلى الأفق البعيد.

حاولت في البداية إخفاء هوية بطل حكايتي عن موجغان، لكنني أفلت الأمر من لساني لاحقًا.

لم تكن موجغان تقول شيئًا، فقط كانت تستمع لي وهي تلاطف شعري.

وعندما أنهيت كلامي وقلت إنني أدرك الآن أن الكذبة التي اختلقتها لصديقاتي كانت أمرًا معيبًا، ماذا تظنون أنها قالت؟

قالت: «مسكينة يا فريدة. أنتِ تحبين كامران حقًا».

صرختُ ورميتُ نفسي عليها، دحرجتها بين الأعشاب اليابسة وبدأتُ أضربها:

– «ماذا قلتِ يا أختي، ماذا قلتِ؟ أنا، وذلك الثعبان الماكر...!».

كانت موجغان تحاول النجاة، تلهث وتتشبث:

قالت: – «اتركيني... ستُمزقين ملابسي، سيرانا أحد في الطريق، سنصبح فضيحة، بالله عليكِ لا تفعلي!»، كانت تتوسل لي.

فقلت: – «لا بد أن تسحبي كلامك...».

قالت موجغان: – «سأسحبه حتمًا... سأفعل ما تشائين، فقط اتركيني...».

فقلت: – «لكن ليس من باب المجاملة، ولا لتخدعيني...».

قالت: – «حسنًا، لا من باب المجاملة... ولا لأخدعكِ... حقًا...».

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة