نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق...
............
نظر إلينا الصياديون بنظرات استغراب.
همست موجغان لي: فعلتِ ما كنتِ تنوين فعله يا فريدة؟ "ماذا سنفعل الآن؟".
ضحكتُ وقلتُ:
"لن يأكلنا الصيادون، أليس كذلك؟".
ومع ذلك، كان وضعنا محرجًا حقًّا. خاصة أنني بساقي العاريتين حتى الركبتين، ممسكة بجواربي، لم أكن في حالة تسمح لي بالخروج أمام الناس.
أما موجغان، فكانت تستعد للركض بساقيها النحيفتين، مثل عنكبوت يفرُّ أمام مكنسة. وجدتُ هذا الخوف أمرًا مُخجلًا.
كنتُ أفكر في سبب ارتفاع منسوب المياه ذلك اليوم، وأي ساعات كانت فيها الأمواج تغمر الطرق الساحلية...
فسألتهم عبثًا عن الأماكن التي يصطادون فيها السمك، فقط لملء الفراغ بالكلام. كانت أسئلة سخيفة لا معنى لها.
كان اثنان من الصيادين شابين، في العشرينيات من العمر أو ربما أكبر بقليل، أما الثالث فكان رجلًا عجوزًا ملتحيًا. بدا الشابان خجولين، لذا تولى العجوز الرد. لكنه، مثلي تمامًا، بدا غير مرتاح في الحديث، فسألني من أكون.
توقفت للحظة، ثم قلت: "أنا فتاة اسمها مارِيكا، جئت من إسطنبول في زيارة لعمي التاجر، وأحضرت معي ضيفة" ثم واصلت المشي.
بينما كانت موجغان تمسك بذراعي وتسحبني بسرعة وهي تقول غاضبة:
"لينتقم الله منكِ! لماذا قلتِ ذلك؟".
فأجبتها ببراءة:
كيف لي أن أعرف؟! لقد أوصتني خالاتي في إسطنبول مرارًا وتكرارًا: "حافظي على لسانك، لا تتكلمي كلامًا غير ضروري، تلك الأماكن مليئة بالنمّامين". لذا لم أرد أن يقول الصيادون: "ما هذه الفتاة المسلمة؟ التي لا تكشف رأسها فقط، بل تكشف حتى ساقيها؟!".
لكن موجغان الخائفة جعلت من هذا الأمر البسيط مشكلة كبيرة!
في وقت الغروب، بينما كنتُ أسير متشابكة الذراعين مع موجغان، لاحظتُ أن ضابطًا شابًا من سلاح الفرسان كان يدور حولنا. كان يتظاهر بأنه يدرب حصانه، لكنه ظل يسلك الطريق نفسه الذي كنا نسير فيه وكأنه لا يوجد مكان آخر يمكن الذهاب إليه في هذه البرية الواسعة. كان يمر بجانبنا، وينظر إلينا بنظرات غريبة لدرجة أنه كان على وشك التوقف والتحدث.
ذات يوم، عندما مرَّ بنا مجددًا، محاولًا إخفاءنا خلف الأشجار المحاذية للجدار، ضحكتُ بهدوء، سعلتُ قليلًا، ثم قلتُ:
"فلنفهم الأمر، يا أختي موجغان!".
نظرت إليَّ موجغان متسائلة:
"ماذا تقصدين، فريدة؟".
"ما أقصده، أختي العزيزة، أننا لم نعد أطفالًا بعد الآن... يبدو أنكِ تتبادلين نظرات الغزل مع السيد الضابط".
بدأت موجغان تضحك: "أنا؟ أيتها المجنونة!".
فقلت: "وما الخطأ في أن يمنحكِ أحدهم بعض الاهتمام؟".
قالت موجغان: "هل تعتقدين أنه يدور حولنا من أجلي؟".
فأضفت: "سيكون من الغباء عدم الاعتقاد بذلك".
ضحكت موجغان مرة أخرى، لكن هذه المرة كان في ضحكتها شيء من الألم. ثم تنهدت قائلة:
"يا صغيرتي، لستُ من الفتيات اللواتي يلاحقهن الرجال... إنه يدور حولنا من أجلكِ".
اتسعت عيناي من الدهشة:
"ماذا تقولين، أختي؟!".
"نعم، من أجلكِ... قبل أن تأتي، كنتُ أراه يمرُّ أحيانًا، لكنه لم يكن يميزني عن الأشجار على جانب الطريق، وكان يواصل طريقه دون أن ينظر ثانية".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.