نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق...
.....
بعد غياب دام عامين، وجدتُ أن موجغان قد كبرت وأصبحت سيدة ناضجة إلى درجة أنني كدتُ لا أجرؤ على التحدث معها. ومع ذلك، سرعان ما انسجمنا مجددًا.
كانت لخالتي عائشة ولموجغان أعداد هائلة من المعارف، واندمجتُ أنا أيضًا بينهم، كنا نتلقى دعوات يومية للزيارات، إما إلى القصر وإما إلى مزارع الكروم.
بما أنني أصبحتُ الآن فتاة ناضجة، كانوا يحذرونني من التصرفات الطائشة، قائلين إن أي هفوة مني ستجلب لي الانتقاد، لذلك كنتُ حريصة جدًا على تصرفاتي. عندما كنتُ أجامل السيدات الغريبات وأجيب عن أسئلتهن بجدية وأدب، كنتُ أشعر وكأنني طفلة تلعب لعبة الضيافة، لكن في الوقت نفسه، لم أنكر أن الاندماج في المجتمع كان يرضي غروري قليلًا.
مع أنَّ تلك الزيارات كانت مسلية، فإن أكثر الأوقات التي كنتُ أستمتع بها كانت الساعات التي أقضيها وحدي مع موجغان.
كان منزل زوج خالتي يقع على تلٍّ عالٍ يطل على البحر. في البداية، عدَّت موجغان نزولي من هذا التل الذي كانت بعض أجزائه شديدة الانحدار وكأنه جدار قائم، أمرًا شديد الخطر وحاولت منعي، لكنها سرعان ما اعتادت على ذلك.
كنا نقضي ساعات مستلقيتين على الرمال، نلعب برمي الحجارة فوق سطح الماء، أو نسير على طول الشاطئ حتى نبتعد كثيرًا.
كان البحر في ذلك الفصل جميلًا وهادئًا، لكنه يفتقر إلى البهجة. أحيانًا تمضي الساعات دون أن يظهر شراع واحد أو حتى خيط دخان رفيع في الأفق. لا سيما في أواخر العصر، كانت المياه تمتد بلا نهاية، تبعث شعورًا قاتمًا بالوحدة يجعل المرء يشعر بالمرض.
لحسن الحظ، كنتُ أستشعر هذه الكآبة قبل أن تسيطر عليَّ، فأجعل الصخور على الشاطئ تتردد أصداؤها بضحكاتي الصاخبة!
ذات يوم، خرجتُ أنا وموجغان في نزهة سيرًا على الأقدام، متجهتين نحو رأس ساحلي بعيد، كان هدفنا الوصول إلى الخليج عبر الصخور التي تشكل هذا الرأس، لكن لسوء الحظ، كان الطريق مسدودًا، لم يكن أمامنا خيار سوى خلع أحذيتنا والدخول في الماء، أما لي فقد كنتُ سعيدة بهذا الأمر، لكن ماذا عن موجغان، تلك الآنسة الناضجة والمحتشمة؟
كنتُ أعلم جيدًا أنها سترفض خلع حذائها وجواربها مهما قلتُ لها، لذلك عرضتُ عليها اقتراحًا:
"تعالي، أختي موجغان، سأحملك على ظهري وأعبر بكِ."
لكنها رفضت قائلةً بدهشة:
"أيتها المجنونة، كيف يمكنكِ حمل شخص بالغ؟"
كانت المسكينة تعتقد أنني لن أتمكن من حملها؛ لأنها كانت أطول مني كما كانت تكبرني سنًّا، اقتربتُ منها بمكر وقلتُ:
"دعينا نجرب، إذا نجح الأمر فهذا رائع!"
وبمجرد أن أمسكتُ بها من خصرها، رفعتها في الهواء!
في البداية، ظنت أن الأمر مجرد تجربة قصيرة لبضع خطوات، فضحكت وهي تحاول الإفلات قائلةً:
"لا تكوني مجنونة، أتركني! كيف يمكنكِ حملي؟"
لكن عندما رأتني أسير في الماء حافية القدمين، كادت تصاب بالجنون!
"أنتِ خفيفة مثل الريشة، يا أختي"، قلتُ لها: "لكن لا تتحركي كثيرًا وإلا سنسقط معًا!"
تحولت ملامح المسكينة إلى الشحوب، وكأنها تخشى أن يتسبب أي كلام أو حركة في اختلال توازننا. أغلقت عينيها وفمها بإحكام، وتشبثت بشعري بكلتا يديها.
وكأنها كانت تعبر جسرًا فوق هاوية سحيقة، لكن في الحقيقة، لم يكن الماء بعمق أكثر من شبر واحد!
لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما وصلنا إلى الطرف الآخر من الرأس الساحلي... ماذا وجدنا؟
ثلاثة صيادين يجلسون بجانب قارب مسحوب إلى اليابسة، يأكلون طعامهم، وينظرون إلينا بدهشة!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.