بعد أن انتهينا في الجزء السابق نعود لنكمل غيرة فريدة على كامران..
...........
دون أن أتمالك نفسي، داهمته فجأة وقلت:
ما اسمها؟ وماذا تعمل؟ ما عنوان منزلها؟
تلعثم ابن عمي، كان مرتبكًا لدرجة أنه لم يستطع حتى اختلاق اسم أو عنوان، وتغير لون وجهه مرات عدة وهو يضحك محاولًا التهرب من سؤالي قائلًا:
ولماذا تسألين؟ وما سبب هذا الفضول؟
وكأن الأمر مسألة في غاية الأهمية، قلتُ بحزم:
سأستفسر من خالتي في بداية الأسبوع.
عندها احمر وجه كامران أكثر وبدأ يتوسل إليَّ:
أرجوكِ، لا تخبري والدتي عنها... قد تمنعني من رؤيتها.
نهضتُ غاضبةً، محاولةً السيطرة على يديَّ اللتين كدت أفقد التحكم بهما، وأخفيتهما في جيبي قائلةً:
إذا كنت تعتقد أنني مشغولة بأصدقاء والدك أو أصدقائك، فأنت مخطئ.
لقد تفوهتُ بهذا الكلام بلا تفكير، هذا كل ما في الأمر، ثم خرجتُ.
ومنذ ذلك اليوم، كنتُ أتحجج كلما جاء كامران إلى المدرسة، ولم أخرج للقائه، أما الهدايا التي كان لا يزال يجلبها، فكنت أمزقها في الفصل أو في ساحة المدرسة، وأترك الأطفال يأخذون محتوياتها دون أن ألمسها.
كانت الحقيقة واضحة، لا بد أن الأرملة السعيدة تعيش في مكان قريب، ومن المؤكد أنهما توصلا إلى اتفاق في تلك الليلة، وكان ابن عمي يذهب إلى منزلها كثيرًا، ويأتي لرؤيتي عرضًا -بشكل عرضي- في طريقه.
فليفعلوا ما يشاؤون من فساد... لا يعنيني! لكن أن يجعلوني أداة تسلية لهم، كان ذلك ما جرحني بشدة، وكلما فكرتُ في الأمر، شعرتُ بحرارة تسري في جسدي، وأعض على شفتيَّ حتى تنزف لأمنع نفسي من البكاء غضبًا.
لم يكن عليَّ حتى أن أسأل عن عنوان نريمان في المنزل، لكن مجرد ذكر اسمها كان يبدو لي أمرًا لا يُحتمل.
في أحد أيام العطلة، كنتُ أخرج لغسل كلب صغير في حوض الماء، عندما سمعتُ إحدى الزائرات تقول لنجميّة:
تلقيتُ رسالة من نريمان قبل يومين، تبدو سعيدة جدًّا...
توقفتُ عند الباب، وجلستُ على الأرض بهدوء، وأنزلتُ الكلب من حضني برفق، لم يكن بإمكاني أن أسأل عن الأرملة السعيدة، لكن لم يكن يوجد ما يمنعني من الاستماع...
واصلت الضيفة حديثها:
يبدو أن نريمان سعيدة جدًّا مع زوجها، آمل أن تكون المسكينة سعيدة هذه المرة...
فردَّت نجمية بغباء يشبه صدى قبة حمام: نعم، نعم! آمل أن تكون سعيدة هذه المرة، مسكينة...
بسخرية قلتُ: هل تزوجت السيدة مرة أخرى؟
من تقصدين بالسيدة؟
السيدة التي تلقيتِ منها الرسالة... السيدة نريمان...
لكن بدلًا من الضيفة، أجابت نجمية:
أوه، ألم تسمعي؟ لقد تزوجت منذ مدة طويلة، نريمان تزوجت بمهندس، ومنذ خمسة أو ستة أشهر وهي تعيش معه في إزمير...
كررتُ في نفسي للمرة الثالثة:
"آمل أن تكون سعيدة هذه المرة، المسكينة..."
ثم أمسكتُ بالكلب بين ذراعيَّ واندفعتُ إلى الخارج، لكنني لم أذهب إلى الحوض، بل بدأت أجري، متخطيةً الأسوار وجذوع الكروم، وأدور حول الحديقة بلا هدف.
في ذلك الصيف، سافرتُ ولم يكن المكان بعيدًا، إلى تيكيرداغ فقط، كما تعلمين، لم يمنحني الله شيئًا بوفرة في هذه الحياة سوى الخالات.. إحداهن تعيش في تيكيرداغ، حيث كان زوجها، خالي عزيز، يشغل منصب الحاكم هناك سنوات عدة.
لديهما ابنة تُدعى موجغان، تكبرني بثلاث سنوات، من بين جميع أبناء العائلة، أعتقد أنني أحبها أكثر من غيرها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.