تنويه
كُتب هذا الكتاب بعد نهاية أحداثه بعشر سنوات.
الإهداء
صديقي الوحيد في هذه المهزلة المُسمّاة الحياة
صديق الكفاح وصديق السلاح وصديق القلم
الوحيد الذي يعرفني أكثر من ذاتي ...
عزيزي لا أحد.
الفصل الأول: في انتظار بصيص الأمل.
الجزء الأول: دماء مراقة.
استيقظَ في منتصف الليل، بلا قميص، متجمداً من البرد، مضرّجاً بالدماء....
لاتزال رطبة، وتشكل بركة على السرير حيث كان يرقد، وعلى الأرضية كذلك، تفقد كل شبر في جسده، لم يكن ينزف، هذه ليست دماؤه، هل يجب أن يسعد لهذا؟
لمح مرآة على الحائط المقابل، أشعل مصباحاً كان ملقى على الأرض، أراد التأكد من أنه ليس مصاباً، اقترب منها وتأمل انعكاس ما يجب أن يكون صورته في المرآة..
شعر أبيض مبعثر، بشرة بيضاء مزرقة في بعض الأماكن من البرد، ومحمرّة في أخرى من الدم، عيون زرقاء فاتحة جداً، ١٥ إلى ١٦ سنة ربما، بصعوبة تلمّس ظهره، وحاول أن يلمحه على المرآة.
لسبب يجهله كان ينزف، جروحٌ عميقة لا تزال مفتوحة غطت ظهره من الكتفين إلى الخصر، بالتأكيد ليست مصدر كل هذا الدم، إذن، ما هو؟
تلفت حوله..
أين هو الآن؟ ما هذه الغرفة؟
لم تبدُ له مألوفةً البتة، لعل السبب هو العتمة، كانت واسعة جداً ومؤثثة بسرير وأدراج كثيرة، كتل لا تحصى من الكتب بما يصل إلى ألفي كتاب، ملقاة بإهمال في الزاوية الأربع.
كرسي ومنضدة، ونوافذ ضخمة على اثنين من جدرانها، تطل على أشجار كثيرة متراصّة والمشهد بأكمله مدفون تحت طبقة كثيفة من الثلج الذي استمر بالهطل.
بحث بين الأوراق المبعثرة في كل مكان على ضوء الشمعة، كانت مكتوبة بلغة غريبة أو رموز، بحث وبحث عن أي شيء، هوية شخصية أو أي شيء يشير إلى مَن يكون.
بعد نصف ساعة تقريباً استسلم وغير الهدف حيث أصبح إيجاد الحمّام في أسرع وقت ممكن، لأنه ببساطة كاد يختنق برائحة الدم.
وتساءل: كيف يتحمّل الجزّار كل هذا؟
تبع آثار الأقدام الدامية، التي تبدأ من السرير وتمتد إلى المجهول، وهو يتلمس طريقه بيدين مرتجفتين وخُطًى متعثرة؛ لأنه أعتقد أن صاحبها أراد الحمّام أو الهرب؛ لأن جريمة ربما حدثت.
انقبض صدره عند التفكير بالأمر؛ لأن الدمَ دافئ فلا بد أن الشخص أو الشيء الذي نزف لم يبتعد كثيراً، ومَن جعله ينزف كذلك.
وتعالى صوت نباح كلب من مكان ليس ببعيد، جعل أعصابه مشدودة، وزاد يقظته التي تخطت يقظة طفل شرب برميلاً من القهوة.
بقي يتبع الآثار لساعتين وبعدها فقد الإحساس بالوقت، المنزل كان ضخماً بحق، دخل وخرج من غرف وممرات لا نهاية لها، مع كل منعطف كانت ذاكرته تنتعش، حتى نزل سلالم قصيرة وتوقفت الآثار أمام باب القبو.
استعاد خلال تلك الجولة الطويلة تقريباً أكثر من نصف ذكرياته، واستوعب أنه عرض جانبي للصدمة التي مر بها لا أكثر، وقف مُحملِقاً بالباب...
-رائع، المكان الوحيد المحرّم دخوله في المنزل، إن أبي سيقتلني..
أضاف بعد تفكير:
-لو عرف..
بمجرد دفعة بسيطة فُتح ليظهر ما كان خلف الباب، ظلام دامس، وجد بعد بحث بسيط مصباح زيت فأشعله ولم يجرؤ على تفقد زوايا القبو التي لم يطُلها ضوء المصباح.
ليس جُبناً، بل لأن الدماء كانت تغطي الأرضية وبصمات أيدٍ تغلف الجدران، ورائحة مقيتة عفنة تهيمن على الجو بشكل يثير الريبة، حسناً لعلّه جُبن.
ومن حيث لا يعلم تحركت كتلة من اللحم والدم والأحشاء نحوه -مصدر الدم ربما- مطلقة أصواتاً غريبة أقرب إلى حشرجة، أو توسلات أخرس.
كان يستحيل أن يطلق عليها كائناً بشرياً لولا أنها اقتربت منه ودخلت دائرة الإضاءة، تمكن بذلك من رؤية الوجه المشوّه والأصابع المبتورة واللسان المتدلّي على الرقبة لأن الفكّ السفليّ لم يكن موجوداً..
رأى كل تلك التفاصيل في ثلاث ثوانٍ، ثلاث ثوانٍ كانت طويلة كفاية لتُطبع ملامحه أو لعلها ملامحها في ذاكرته المضطربة.
مدّ الكائن يده مُحاولاً الاقتراب أكثر، لكن الفتى أمسك بما بدا له قضيباً معدنيّاً، وهشّم جمجمته قبل أن يفكر في حماية رأسه الحاسِر، أربع ضربات أفرغ فيها اشمئزازه، قلّة حيلته، ذُعره وكل شيء، وصرخ بكل قوته المتبقية.
تحرّك الجسد قليلاً، فهوى على رأسه مجدداً بسلاحه الذي اتّضح أنّه مظلّة، وانهال عليه بوابلٍ من الشتائم.
رمى المظلة واستخدم قدمه، لم يسترح حتّى شعر برطوبة وطراوة دماغه،
وتأكد أكثر بتقريب المصباح منه، فوجدها امرأة شقراء، لا بد أنها كانت جميلة يوماً ما.
على الأقل كانت حيّة قبل أن يقتلها منذ قليل، وبالتدقيق في الملامح، إنها زوج عمه جاكلين..
حدّث نفسه:
-أيها الأبله.. ما الذي فعلته؟ بالتأكيد سيقتلك أبي الآن، بالتأكيد سيعرف الآن بالحدود التي تجاوزتها، سوف...
مع هذا لم يشعر بأنه تصرف على نحوٍ خاطِئ، بل انتشى على الرغم من خوفه.
حرك المصباح ليتأكد من أمان المنطقة، فوجد جثة شاب في العقد الثاني مألوف للغاية، طويل، فاحم الشعر، ومغطّى بالوشوم، بدت جثته حديثة، إضافةً إلى كمية هائلة من العظام البشرية، لا بد أن يكون سكّان هذا البيت وحوشاً كي يفعلوا كل هذا..
وقرر الهرب....
كان قراراً حكيماً، لكن كان متأخراً جدّاً، فعندما التفت ليخرج وجد شبح شخصٍ واقفاً منذ وقت طويل ربما، لم يسعفه الوقت ليشرح شيئاً أو ليتبين وجهه.
كل ما يتذكره بعدها، ألم مهول في رأسه، دماء تزحف على جبهته، وتدخل فمه عنوةً، زاغ كل شيء ثم تلاشى ببطء، شخص ما يمسكه من رجليه ويجرّه على الأرض، الشخص ذاته يقيّده، اثنان يتشاجران وكلب ينبح ثم لا شيء.
يتبع...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.