رواية «زوال المُلك».. ج11

نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق..

...........

مات أخناتون، مات الملك الشاب الذي دعا للتوحيد وتبنى شعار «رب أحد لا شريك له» في وقت كانت تهدد المملكة مخاطر كبيرة، ففي مملكة خيتا في الشمال، العدو القديم للمملكة المصرية، لمع نجم جديد وملك قوي ازدادت في عهده مملكة خيتا قوةً ونفوذًا، وبدأت فعلًا تهاجم سيدتها مصر على حدودها وتُمنّي نفسها باحتلال أراضيها. على الرغم من كل شيء، مات أخناتون بعد أن أحدث ثورة دينية في العقيدة الدينية المصرية، وخطا بها خطوات صحيحة نحو الفطرة السليمة بعبادة إله واحد لا شريك له، فاقترب بذلك من رسالة الأنبياء.

الأخ سمنخ كا رع

انتهت مراسم الدفن وشيِّع أخناتون إلى مقبرته بعد شهرين تقريبًا، وهي المدة التي يتم فيها إجراء عملية تحنيط الجثمان وإخراج أحشائه.

ليتولى بعدها أخوه سمنخ كا رع، الذي كان شريكًا له في الحكم، عرش البلاد. وكان أول قرار اتخذه هو العودة إلى العاصمة القديمة طيبة في الأقصر، مقر الديانة المصرية القديمة لآمون وكهنة آمون، في محاولة منه لاستقطابهم واتقاء شرهم، وإعلان عودة الديانة القديمة وعبادة الآلهة المختلفة، وإلغاء عبادة الإله الواحد «آتون». رافقته زوجته «مريت آتون» ابنة أخناتون.

لكن نفرتيتي، الأرملة المكلومة في وفاة زوجها وضياع ملكها، لم تكن لتترك سمنخ، محبوب زوجها، الذي كان سببًا في الخلافات التي نشبت بينها وبينه، ينعم بالحكم، إذ رفضت مبايعته، ولم تعترف له بالحق في العرش، بل إنها، بمجرد وفاة زوجها، حاولت استمالة أبيها الكاهن ومدير بيت الفرعون، أي المتصرف الفعلي في شؤون المملكة، للوقوف معها ضد سمنخ كا رع.

لكن والدها كان بعيد النظر، ورأى أن معارضته لسمنخ ستكون ضد الأعراف الملكية، فلم يستمع لها ولم يُجب طلبها، وظل بجوار سمنخ كا رع، هداها تفكيرها لفكرة أبعد من ذلك، إذ أرسلت إلى ملك خيتا الطامع في حكم مصر واحتلالها، قبل انتهاء مراسم الدفن وتتويج سمنخ كا رع، تستنجد به. طلبت منه أن يرسل إليها أحد أبنائه ليتزوجها ويرث عرش مصر، وبدأت في مناوئة سمنخ كا رع، وسببت له مشكلات كثيرة في الحكم.

لما وصلت رسالة نفرتيتي إلى ملك خيتا «شوبيلوليوما» وتحقق من فحواها، أرسل فعلًا أحد أبنائه إلى مصر ليتزوج الملكة ويحصل على عرش مصر. لكن، وفي الوقت نفسه، وبطريقة ما، عرف رجال القصر برسالة نفرتيتي إلى ملك خيتا.

وخرج مجموعة من الجند فتربصوا له في الصحراء على الحدود المصرية، ووثبوا على موكبه وقتلوه، وهنا تلاشت أحلام نفرتيتي في الاحتفاظ بعرش مصر. لكنها لم تستسلم، وظلت تدبر ضده المؤامرات، مستعينة ببعض الكهنة، تُغريهم بالذهب والعطايا.

تعقدت الأمور، وكادت المملكة تسقط في فوضى عارمة، فالجيش غاضب من كل ما يحدث، ورجال القصر في حيرة من أمرهم، فلا بد للمملكة من ملك يحكمها دون إثارة أي منازعات وبلبلة في عموم المملكة.

حاول سمنخ كا رع أن يسيطر على البلاد التي عمَّت فيها الفوضى والتذمر، خصوصًا في صفوف الجيش، لكن القدر لم يمهله، إذ بعد ثلاث سنوات فقط، أُعلنت وفاته في ظروف غامضة، وخلا العرش مرة أخرى.

عند إعلان وفاة سمنخ كا رع، سارعت نفرتيتي إلى الانتقال من «أخت آتون» إلى طيبة مع ابنها توت عنخ آمون وزوجته «عنخس با آتون» وأبيها الكاهن «أي»، كي تضع يدها على قناطير الذهب التي أخذها سمنخ كا رع معه عند انتقاله إلى طيبة، قبل أن تعبث بها أيدي رجال البلاط.

اتفق الجميع: نفرتيتي الأم، والكاهن «أي»، والقائد «حور محب» أقوى شخصيتين في الدولة، على تنصيب الذكر الوحيد المتبقي من العائلة الملكية، الابن الذي لم يتجاوز عمره آنذاك الثانية عشرة ربيعًا «توت عنخ آتون»، وفعلًا أُعْلِن اعتلاء توت عنخ آتون العرش وتتويجه ملكًا للبلاد، ويصبح ألعوبة في يد رجال البلاط الكبار: «أي» مدير البلاط الملكي، و«حور محب» قائد الجيوش.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة