رواية «زوال المُلك».. الجزء الخامس

نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق..

...

كان الملك أمنحتب الثالث من فرط حبه النساء يعج قصره بالجميلات من زوجات وخليلات، يستمتع بهن طوال الوقت حتى أثر ذلك في إدارة شؤون البلاد، فلم يكن يهتم كثيرًا بالسياسة بقدر اهتمامه بحياته وتزيين قصوره ونسائه الجميلات، فقد بنى بيتًا في طيبة عاصمة الملك له ولزوجته الرسمية (تي) ملكة البلاد الجميلة، تحيط به حدائق غناء وبحيرة كبيرة من الماء، فكان يخرج مع زوجته في المركب الملكي المرصع بالذهب كل ليلة تحت ضوء القمر يغازلها ويأكلون ما لذ وطاب من الفواكه والطعام.

غير أنه كان يحب سماع حكماء دولته، ويستشيرهم في أموره الخاصة في يوم كان يحس بالهم والملل، فأحضر حكيم القصر، وقال له:

- إنني كما ترى مهموم، فاقترح علي شيئًا أفعله يذهب عني الحزن.

- فقال له الحكيم: الخضرة والماء والوجه الحسن.

 ثم اقترح عليه أن يأخذ مجموعة من العذارى من القصر للتنزه في المركب الملكي، فيستمتع بهن، وبالفعل فعل ذلك، وحدث أن إحداهن وقع عقدها من رقبتها، وسقط في النهر، فحزنت حزنًا شديدًا، فوعدها الملك أن يعوضها عنه بعقد أكبر، لكنها لم تقبل بالتعويض، وظلت حزينة على هذا العقد ذاته لذكرى لديها، فأمر الملك كهنته أن يعيدوا العقد، فجعلوا ماء النهر ينزوي على الجانبين حتى ظهر العقد، وأحضروه، وأعطاه الملك الجارية، ففرحت فرحًا كبيرًا وراحت تقبل الملك.

هكذا كان يقضي وقته في التنقل بين قصوره ورحلاته ونسائه.

لكن على الرغم من ذلك كان أيضًا لا يزال مسيطرًا على شؤون المملكة بما له من الحكمة والذكاء ما مكناه من التعامل مع الأعداء قبل الأصدقاء، وساعدته زوجته المحبوبة (تي) التي كانت من طبقات الشعب، وتحظى بشعبية كبيرة في البلاد، وصاحبة عقل راجح مع أبيها بالطبع.

نعمت البلاد في عهد الفرعون الشاب بالسلام مدة طويلة، فكانت العلاقات الخارجية بالممالك المجاورة يغلب عليها الهدوء والود، فالممالك لا تستقر إلا باستقرار جيرانها واتفاق ملوكها ونبذ الفرقة والأطماع فيما بينهم.

زادت الوفود الأجنبية في عهد الملك أمنحتب بين مصر وبين الممالك الأخرى، فكانوا يرسلون له الهدايا والجواري الحسان تعبيرًا عن ولائهم، وفي المقابل كان يغدق على الوفود الأجنبية الذهب الذي كان موجودًا في المملكة بكميات كبيرة.

وكان ملك الميتان كتب إليه ذات مرة يقول له: «أخي أرجو أن تهديني ذهبًا كثيرًا لا يحصى، وإني على ثقة من أن أخي سوف يحقق ذلك، ويهديني ذهبًا أكثر من الذهب الذي حصل عليه أبي، أليس الذهب في بلد أخي كتراب الأرض؟ بارك الأرباب فيه حتى يصبح الذهب في أرض أخي أضعاف ما عليه الآن، وعسى ما أطلبه لا يضايق أخي ولا يضيق به قلبه، وسوف أرد لأخي فضله عشرة أمثال مما يشتهيه، فهذه الأرض أرض أخي، وهذا البيت بيت أخي»، وكان يقصد بالطبع الجواري الحسان.

ظل أمنحتب الثالث يستغل سياسة المصاهرة بينه وبين الممالك الأخرى لتوثيق العلاقات والمودة بينه وبينهم، ومع ذلك كان لا يسمح لهم بالزواج بأميرات مصريات، فقد أرسل إليه ذات مرة ملك بابل كاداشمال إنليل الأول يعتذر إليه بأنه ليس له أخت يرسلها عروسًا إليه، ويرجوه في الوقت نفسه أن يزوجه من إحدى بناته.

اعتذر أمنحتب وقال له: إنه لم يسبق أن أرسلت أميرة مصرية إلى أي إنسان، فعاد ملك بابل وألح عليه أن يتخير له أي فتاة من قصره، ويرسلها إليه على أنها أميرة من بيته ليرفع عنه الحرج أمام شعبه، فاعتذر له مرة أخرى، وتوقف ملك بابل عن السؤال مرة أخرى، وكان أمنحتب يعتز بمكانة مصر وأهل مصر ونساء مصر، فقد كانت البلاد من القوة والغنى ما يجعلها تفرض إرادتها على الممالك الأخرى جميعها. 

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

رواية ثرية الأحداث
شكرا للكاتب
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا جزيلا خالص تحياتي وتقديري
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة