بادر تحتمس بعد اعتلائه العرش بتنفيذ وصية الإله، فأمر رجاله بإزالة الرمال التي كانت تغمر تمثال أبو الهول وتنظيفه، وبناء سور كبير حول معبده امتنانًا للآلهة وتنفيذًا لطلب الإله رع.
ورث تحتمس ملك مصر من أبيه عنوة، وبكت أمه الملكة أخاه أمنأبت الذي اختفى اسمه وذكره بعد ذلك. وأصبح حاكم المملكة العظيمة التي يمتد سلطانها ونفوذها إلى بلاد آسيا وفلسطين في الشمال، وبلاد كوش في الجنوب، فكانت هذه البلاد تدين بالولاء لمصر وحاكمها الفرعون، ورث تحتمس الرابع ملكًا كبيرًا بناه أسلافه العظماء بعد جهاد وحروب كبيرة، أخضعوا فيها الممالك المجاورة ومنعوها من تنفيذ أطماعها بالاقتراب من حدود المملكة.
في البداية، نفذ عدة حملات حربية على الحدود في الشمال والجنوب لإظهار قوة الدولة، حتى لا تستغل الممالك المجاورة وجماعات المتمردين موت أبيه وصِغَر سنه للانقضاض على مصر.
كانت حملاته الحربية آخر عهد الأسرة الثامنة عشرة بالحروب والقتال، بعدها لم يكن مضطرًا لشن الحروب أو القضاء على القلاقل، فقد كانت الدولة في ذلك الوقت قوية ومستقرة، تتمتع بالهدوء وتنعم بالسلام والثراء، حتى إن الجيوش سُرِّحَت، وراح الجنود يجنون ثمار الانتصارات ويعيشون على ما كسبوه من خيرات البلاد التي فتحها أجداد تحتمس، وآخرهم أبوه أمنحتب الثاني.
منذ هذا التاريخ بدأت مصر عهدًا جديدًا تمامًا، اختفى فيه صوت الحرب، ووضعت فيه السيوف في جرابها، وتفرغ الفرعون الجديد لإعمار البلاد، وبناء المعابد والقصور، والتنعم بالخيرات الوفيرة، كما نشأت في هذه الفترة حقبة جديدة من العلاقات بين مصر وجيرانها، فراح الملك يعقد مع الممالك الناشئة في آسيا مثل مملكة ميتاني وبابل وخيتا التي كانت تزداد نفوذًا وقوة كل يوم، علاقات صداقة، وتبادل مراسلات وهدايا، بل وعقد اتفاقات للمحافظة على السلم بين الممالك.
ذهب تحتمس في هذه العلاقات إلى أبعد من ذلك، إذ إنه أول مرة يستخدم رباط المصاهرة والزواج، متجاوزًا تقاليد المملكة في عدم المصاهرة والزواج من خارج البلاط الملكي التي كانت تقضي بعدم زواج الفرعون إلا من الدم الملكي للعائلة الفرعونية الخالصة، التي تنحدر من ظهر الإله رع، أملًا في حكم مصر بالعدل والإحسان حسب الاعتقاد السائد، حتى إنهم كانوا يتزوجون بأخواتهم وبناتهم.
فضرب بكل هذه التقاليد عرض الحائط، وتزوج بابنة أرتا تاما ملك الميتانيين الذي طالب تحتمس عدة مرات بزيادة مهر ابنته قبل أن يزفها إليه.
العجيب أن تحتمس جعل ابنة ملك الميتانيين زوجة رئيسة في القصر، على خلاف أسلافه الذين كانوا يتخذون الأجنبيات جَواري وزوجات ثانويات.
ظل تحتمس يتنعم في مملكته مع الزوجات والجواري، لا يعكر صفوه أي مخاوف، خصوصًا بعد ما عقد معاهدات سلام مع جميع الممالك التي يُخشى تمردها وانقضاضها على ملكه.
احسنت النشر
شكرا جزيلا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.