رواية «زوال المُلك».. الجزء الثامن

نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق
...............

بدأ عهد جديد بتولي أمنحتب الرابع (إخناتون) عرش البلاد بعد وفاة أبيه الملك أمنحتب الثالث. وقد ورث الابن الحكم بعد أبيه، وورث معه مشكلاته، ولم يكن الابن أفضل حالًا من أبيه؛ ما جعل أحوال البلاد تستمر في التدهور والضعف وتفقد سيطرتها وسيادتها.

حزنت الملكة تي حزنًا شديدًا على وفاة زوجها المحبوب الذي كان يشركها في كل شؤون الحكم، حتى إن ملوك وأمراء الدول الصديقة مثل مملكة متني وبلاد النهرين كانوا يرسلون لها لتحقيق طلباتهم؛ لما لها من تأثير كبير في زوجها الملك. 

وقد كان الملك الأب أمنحتب الثالث له ثلاثة أبناء هم: أمنحتب الرابع الذي أشركه معه في الحكم وترك له خلافة العرش، وسمنخ كارع، وتوت عنخ آمون وله خمسة من البنات هن نفرتيتي وسات آمون وحما ست وحنتوب مرحب وأخيرًا بافت آتون التي كانت ترافق أمها الملكة تي دائمًا، وتُسمى البنت الملكية.

وقد أحسن الملك أمنحتب المحبوب معاملة أهل زوجته البسطاء، ووضعهم في مكانة رفيعة في البلاط الملكي، خصوصًا والدها ووالدتها، إذ بنى لهما قبرًا خاصًا فاخرًا في وادي الملوك وسط ملوك مصر العظام، وعيَّن أخاها في وظيفة الكاهن الأعظم لمدينة أرمنت؛ لذا فإنه كان يستحق أن تحزن عليه كثيرًا وتنتحب لفراقه. 

بدأ أمنحتب الرابع الحكم مثل أبيه لا يهتم كثيرًا بالحرب ولا ببسط نفوذ المملكة على البلاد التابعة لها شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا. فلقد نشأ نشأة دينية خالصة، يبحث ويفكر في أمور الدين؛ ما كان له أثر كبير في تدهور إدارة شؤون البلاد. ولم يكن يعجبه أحوال المعابد وسيطرة كهنتها ونفوذهم، وتذكَّر خلاف جده تحتمس الرابع مع كهنة آمون بالذات الذي كان الإله الأعظم على كل الآلهة واستحواذهم على أراضٍ ومخصصات كبيرة من موارد البلاد تحت ذريعة خدمة الآلهة.

ومع التفكر والبحث والقراءة في تاريخ أجداده القديم تذكَّر الديانة القديمة ديانة أسلافه ومعبودهم رع التي كانت قد اندثرت بعد أن أصبحت الغلبة لديانة آمون، فراح يعمل على إحيائها، فكان بحثه هذا نقطة فارقة وتحولًا كبيرًا في التاريخ المصري القديم، إذ إنه للمرة الأولى في التاريخ دعا بأن يكون الإله واحدًا فقط وليس آلهة متعددة كما هو الحال منذ مئات السنين، وقال إن رع إله الشمس هو الخالق الوحيد الواحد الأحد، ورمز له بقرص الشمس آتون الذي تنبعث منه أشعة الشمس ويشع نورها على العالم أجمع.

وأكثر من هذا فإنه غيَّر اسمه من أمنحتب الرابع إلى إخناتون أو إخ ن آتون. ثم أصدر أوامره ألا يُعبد في المملكة كلها سوى الإله الواحد آتون إله الشمس. وهنا انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، وثار كهنة المعابد المختلفة، وخصوصًا كهنة الإله الأكبر آمون في طيبة عاصمة الحكم. 

لكن إخناتون لم يبالِ بغضب الكهنة، وراح يطلق العنان لأفكاره الدينية الجديدة التي تشربها من جده ومن أبيه أمنحتب الثالث. فعلى الرغم من أن أباه لم يدخل في صراع ديني مع كهنة المعابد وكهنة آمون، فإنه قد خالفهم في أفكارهم. وقد ترك أنشودة أو ورقة لابنه تلخص عبادة الإله الواحد خلافًا لما كان سائرًا في المملكة، حيث قال له: إن الإله رع صانع نفسه بنفسه، ومصور كل شيء دون أن يصوره أحد، منقطع النظير في صفاته، وأنه خالق الكل ومعطيهم قوتهم، وأنه السيد الأحد الذي يأخذ جميع من في الأرض أسرى كل يوم. فتأثَّر إخناتون بكل هذه الكلمات، وأصبح على قناعة بالدين الجديد، دين التوحيد لإله الشمس رع، وبدأ بإزالة كل آثار آمون الإله القديم، وهدم معابده ومطاردة كهنته والتضييق عليهم، فأصبحت الشؤون الداخلية للبلاد على صفيح ساخن.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة