رواية «زوال المُلك».. الجزء التاسع

نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق

....................

لما كانت قوة ونفوذ كهنة آمون ضاربة بجذورها في مركز الحكم في مدينة طيبة، رأى إخناتون أن يؤسس عاصمة جديدة للحكم تكون مركزًا لمذهبه الجديد ونظام حكمه، وترك طيبة مركز عبادة آمون وقصورها ليلحق بها الإهمال والدمار.

راح الملك إخناتون يدعو الناس في كل مكان إلى الدين الجديد، وبأن الإله واحد لا شريك له، كان يقول: رب أحد لا شريك له خالق كل شيء وخالق نفسه بنفسه.

لكن الأمر لم يكن هينًا، إذ إن نفوذ كهنة المعابد ما زال قويًا في نفوس الناس وعامة الشعب، وأسماء الآلهة التي آمنوا بها سنوات طويلة لم يكن من السهل تغييرها في يوم وليلة، فانقسم الناس قسمين: قسم آمنوا به وبمذهبه الجديد وعدُّوه نبيًا، وقسم عارضوه وعدُّوه زنديقًا.

لكنه استمر بكل عزم وجرأة في نشر الدين الجديد وبناء مدينته الجديدة أخت آتون في منطقة قريبة من مدينة ملوي بمحافظة المنيا حاليًا عرفت باسم تل العمارنة، ونقل إليها جميع رجال البلاط وإدارة المملكة، وعمل على تحصينها تحصينًا منيعًا لمنع وصول أعدائه إلى مكان إقامته، مستعينًا في ذلك بقائد الجيش الفارس حور محب الذي كان قائد كتيبة الفرسان في عهد جده تحتمس الرابع، والذي انتزع وقتها وظيفة الكاهن الأعظم للقطرين من كهنة آمون وجعلها لرجل من رجال بلاطه قبل أن يعيدها إليه مرة أخرى أبوه أمنحتب الثالث.    

 بنى إخناتون هذه المدينة بشكل طولي على ضفاف النيل. بنى أولًا قصره، ثم قصور كبار الأمراء وكبار رجال الدولة، وعندما انتقل هو وكبار رجال البلاط بدأ الموظفون والصناع يتوافدون إلى المدينة الجديدة عاصمة الحكم، وبنوا بيوتهم في الأمكنة الخالية بين قصور الأمراء، فتجد قصر الوزير بجانب كوخ فقير من أكواخ العمال. وقد جهز الملك إخناتون المدينة بكل وسائل الراحة والحياة، فقد أراد لمدينته الجديدة أن تكون مركزًا عالميًا لعبادة الإله الواحد آتون إله الشمس، وأن يقضي تمامًا على عبادة الآلهة المتعددة.

بعدما تولى إخناتون عرش البلاد كان لا بد له أن يتزوج ويأتي بملكة للبلاد، فتزوج شقيقته نفرتيتي، والعجيب أنها لم تكن تؤيده في جميع أفعاله وإصراره على محاربة دين الآباء والأجداد.

 ومع ذلك، وعلى الرغم من دعوته للإيمان بإله واحد، فإنه في الوقت نفسه رمز له بقرص الشمس رع، أقدم الآلهة في المملكة المصرية القديمة، وزعم أنه ابن الإله مثل جميع أسلافه، وورث عن أبيه ولعه بالنساء والغانيات وحبه لهن، وقد بنى لنسائه من الأجنبيات مقصورات في غاية الجمال والروعة داخل القصر، يُقمن فيها يسرحن شعورهن ويغنين، وكان يذهب إليهن عندما يستبد به الشوق والرغبة، وقد جعل له جنة على الأرض في مكان واسع زرع فيه الأشجار من كل نوع، تتوسطه بحيرة كبيرة يلجأ إليها عندما كان ينهكه التعب والعمل في إدارة شؤون البلاد.

كان إخناتون رغم كل شيء مفكرًا عظيمًا يحب التأمل، ويسعى لبناء مدينة فاضلة تعظم الطبيعة، وينشر فيها العدل بين الناس. فرغم حبه للنساء والتنعم بملذات الحياة، فإنه لم يكن مسرفًا على نفسه مثل أبيه، فقد كان يُعنى بالتفكر في الكون والطبيعة والخالق، ويتعبد كثيرًا الإله آتون.

وكان يرافقه في كل أحواله أخوه الأصغر سمنخ كا رع الذي كان يحبه كثيرًا ويشركه في أمور الحكم؛ ما جعل زوجته نفرتيتي تحقد عليه وتكرهه، وكان ذلك سببًا في نشوب خلافات كثيرة بينهما، حتى أمه الملكة تي تدخلت وذهبت لزيارته في القصر عدة مرات وعاتبته على إغضاب زوجته، لكنه لم يستمع لكلامها، وأخبرها أن نفرتيتي لا يحق لها التدخل في شؤون الحكم ولا في العلاقة بيني وبين أخي.

حاولت الأم أن تصلح بين الزوجين ولكنها لم تفلح، كان كل ما يهم إخناتون هو مذهبه الديني الجديد، يقضي معظم الوقت في عبادة آتون الإله الواحد، ولم يكن يريد أن يشغله أحد عن عبادته ونشر مذهبه في العالم أجمع. 

استقر الملك الشاب في عاصمته الجديدة أخت آتون، وتخلَّص من تأثير كهنة آمون في طيبة، وبدأ في توطيد حكمه، وكان إخناتون يؤمن بالمساواة بين طبقات الشعب. 

سار على نهج أبيه، فكان يخرج للشعب ويمشي بينهم ويستمع لهم ويحدثهم، وكان يأمر الرسامين أن يرسموه بحجمه الطبيعي وملامحه الطبيعية دون إضافة أو تجميل، على الرغْم من أن جسده كان نحيفًا ولا يتمتع بالتناسق والجمال؛ لأنه كان يؤمن بالصدق وعدم خداع الناس.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة