رواية «زوال المُلك».. الجزء الأول

عندما يتسع الملك، وتعظم الممالك، وتكثر النعم والخيرات، وتركن الأمم للراحة والهدوء، ويترك الجنود السلاح ليتمتعوا بالرخاء والغنائم، تدخل المملكة في طور الضعف والتراخي، وتصبح نهبًا للأعداء المتربصين الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على هذه الدولة العظيمة للاستيلاء على مقدراتها وخيراتها وأراضيها، يوقعون بأهلها أشد أنواع العذاب، فيتحول النعيم إلى شقاء، والراحة إلى نصب، والاستقرار إلى اضطراب.

خلال سنوات طويلة من الجهد والعرق والبحث والاكتشاف، بنى الإنسان المصري القديم حضارة عظيمة تغير بها مجرى التاريخ، وقفز بالإنسانية قفزات هائلة نحو التحضر والرقي والمعرفة، لقد كان المصري القديم مفكرًا بدرجة كبيرة، يفكر في كل شيء حوله.

في الظواهر الطبيعية وتفسيرها، ويفكر في النبات والكائنات وطبيعة الأرض والسماء والكون والخلق والخالق، حتى توصل إلى فهم كبير مكنه من إرساء إمبراطورية ضخمة امتد نفوذها لجميع المناطق المأهولة في العالم آنذاك.

قاد هذه الإمبراطورية الضخمة طوال تاريخها أسرٌ حاكمة من الملوك وأبناء الملوك، عملت كل أسرة على بناء حضارة خلدها التاريخ، وتفوقوا في العمارة والبناء والزراعة والصناعة، لكن الأمر لم يخلُ من مراحل ضعف وتعثر مرت بها هذه الإمبراطورية العظيمة بسبب ضعف بعض الحكام الذين جلبوا على الدولة الفوضى والانهيار، وفتحوا الباب للاحتلال الأجنبي الطامع في خيرات البلاد بسوء إدارتهم واتباع أهوائهم وشهواتهم.

هذه الرواية تدور أحداثها في النصف الثاني من عصر أسرة ملكية عظيمة أسست الدولة المصرية الحديثة، وهي الأسرة الثامنة عشرة، وتحديدًا من عهد الملك تحتمس الرابع عام 1415 قبل الميلاد حتى نهاية هذه الأسرة بنهاية آخر ورثتها، الطفل الصغير الذي تولى الحكم وعمره أحد عشر عامًا، وتوفي وعمره عشرون عامًا: توت عنخ آمون، الملك الذي لم يملك من أمره شيئًا، والحاكم الذي لم يحكم. تحكي الرواية أسرار هذه الحقبة: ماذا حل بهذه الأسرة؟ وكيف انتهى بها المطاف إلى الزوال؟

الفصل الأول

على ضفاف النيل في مملكة مصر القديمة، وتحديدًا في العام 1415 قبل الميلاد، انفرد الشاب اليافع تحتمس الرابع، ابن الملك أمنحتب الثاني، بحكم مصر بعد أن قضى على إخوته الذين كانوا أحق منه بالعرش ومحا أثرهم. برر تحتمس لنفسه التخلص من إخوته أو أخيه المستحق للعرش أمن أبت بعد أن محا اسمه من جميع اللوحات والوثائق التي كانت تُخبر بأنه الوارث المنتظر للعرش.

وقد كان للشاب الطموح سبعة إخوة من الذكور وأربعة من الإناث. ولما لم يكن هو المستحق لخلافة أبيه في الحكم، لجأ إلى كل وسائل الغدر والخداع ليصل إلى الحكم، منها أنه تخلص من أخيه أمن أبت، الذي اختفى تمامًا من المشهد، واختفت جميع أخباره، وجرى محو اسمه من جميع اللوحات الملكية، ما عدا لوحة واحدة خان فيها الشخص أو مجموعة الأفراد الذين كانوا ينفذون الأمر نظرهم، ونسوا اسمه مكتوبًا في موضع من مواضع اللوحة، كما ظهرت أمه وهي تبكيه في مناسبة أخرى.

في النهاية، أصبح تحتمس الرابع حاكم مصر، وبعدها، وكما يفعل الملوك في مصر في غالب الأحوال من ادعاء اختيار الآلهة لهم ليكونوا ملوكًا على أرض مصر، راح يروِّج لرؤيا نشرها وسجلها في معبد أبو الهول، الإله العظيم، إله الشمس رع، ذكر فيها أنه عندما كان مع إخوته في رحلة صيد في وادي الغزال، حيث اعتاد هو وإخوته صيد الحيوانات البرية، جلس يستريح عند أبو الهول، فغلبه النعاس... وفي أثناء نومه، سمع صوت الإله رع يتحدث إليه حديث الوالد إلى ولده، ورآه أمامه.

قال له:
- "استيقظ يا بني، إني والدك... إني سأجعل لك ملكي، وسيكون طعام الأرض ملكًا لك... إن أعضاء جسدي تؤلمني... أزل الرمال عن جسدي كي أستعيد قوتي وأمنحك ملكي."

فلما استيقظ تحتمس، أحس بأن هذه بشارة تؤكد طموحه في الملك، فعمل على التخلص من كل من يقف في طريق وصوله للحكم، وبالفعل استطاع في النهاية أن يعتلي عرش مصر ويصبح حاكم المملكة العظيمة، وكانت هذه الرؤيا هي صك تأييد الآلهة له أمام الشعب وكهنة المعابد وكبار رجال البلاط.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

خاطرة رائعة صديقي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا جزيلا لك صديقتي العزبزة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة