وصلا إلى منزلهما الواقع بالقرب من مقهى الأحبة، وعندما وصلا لباب شقتهما هَمَّتْ بالدخول لحجرتها دون التحدُّث، ولكنه أوقفها ممسكًا بمعصمها، وقد بدا عليه الاحتراق من الداخل والخارج وقال لها:
- ممكن أفهم حصل ايه وايه حكاية الحادثة دي؟
قالت بهدوء لتنهي الأمر:
- أعتقد سواء عملت حادثة أو اتكسرت أو حتى مت ده مش هيفرق معاك، فممكن تسيبني أنام عشان أنا تعبانة وورايا شغل الصبح؟
مط شفتيه بسخرية وقال:
- وأنتِ فاكراني بسألك عشان مهتم بيكي يكش تولعي بجاز.. أنا بسأل عشان الفضايح اللي أنتِ عملاها ووشك المقلوب طول الحفلة.
أفلتت يدها من يده بعنف ناظرة إليه بنظرة أوقفته عن التحدُّث، ثم دخلت حجرتها مسرعة وأغلقت بابها بقوة، جلست قليلاً على فراشها ثم قامت بتكاسل، وفتحت خزانتها لتأتي بثياب المنزل، ثم وقع نظرها على فستان زفافها فتذكرت ذلك اليوم الذي تريد أن تمحوه من ذاكرتها.
***
دخلت إلى باب العقار بفستان زفافها الأبيض، تعتلي الابتسامة وجهها فقد تحقق لها ما تريد منذ الكثير من السنوات، نظرت إلى الأعلى وفي عينيها دموع الفرح وكأنها تناجي ربها بالشكر والعرفان لما حدث في حياتها، وتعاهده على أنها لن تستمر في خطئها، وأنها ستقول لزوجها الحقيقة بمجرد دخولها منزله، ثم صعدت عندما التفتت ووجدته وراءها، لم يحاول الآخر أن يحملها أو حتى يساعدها في رفع الفستان عن الأرض، فلاحظت هي ذلك ولكنها لم تعقب، ووصلا معًا إلى الدور الأخير حيث تقبع شقتهما.
أغلق باب المنزل فابتسمت له قائلة:
- أنت حققتلي حلم حياتي يا محمود ربنا يخليك ليا.
ابتسم بسخرية وهو يدير سبابته قائلاً:
- استمري استمري.
عقدت حاجبيها وهي تقول:
-أستمر ف ايه؟!
أدار ظهره لها وبدأ يلتف حولها وهو يقول:
- استمري ف المسلسل بتاعك.. واحدة دخلت عليا بقصة صعبانيات وبحبك من زمان ومقدرتش اقولك غير لما عرفت أن عندي مرض خطير وهموت.. هه وأنا أقول يا حرام.
وقف في مواجهتها ثم نظر إلى عينيها وهو يقول:
- وصدقتها وحبيتها وحققتلها حلمها وبعد شوية عرفت إنها بتكذب عليا
ظلَّ يضحك كثيراً على نحو هستيري ثم أوقف ضحكه قائلاً:
-قررت اعمل نفسي عبيط وأعلقها بيا اكتر وبعد كدة ماتجوزهاش ماهو ميصحش برضو أتجوز واحدة بتكذب عليا، وعرفت كمان أنها عايزة تتجوزني عشان فلوس ابويا، يعني كذابة وطماعة كمان، بس للأسف خالد أتدخل وحكى لبابا كل حاجة ساعتها قررت اتجوزك واخليكي أنتِ اللي تطلبي الطلاق بنفسك ودة اللي هيحصل من هنا ورايح يا حبيبتي.
استمر سيل دموعها بالانهمار طوال حديثه وعندما انتهى من كل ذلك قالت:
- أنا بس عايزة افهمك.
قاطعها قائلاً بصوت يشبه الرعد:
- أنا مش عايز أسمع حاجة ولحد ما أطلقك وده قريب إن شاء الله، مش عايز ليكي صوت ولا رأي ولا أي حاجة زيك زي الكنبة اللي فالبيت.
علا صوتها عليه قائلة:
- من حقي أنك تسمعني زي ما سمعت القرف اللي قلته ده.
لم يستمع لها، وقال لها مشيرًا لإحدى الغرف بالمنزل:
- بقولك إيه دي اوضتك ادخلي ومش عايز أسمع صوتك، وإلا والله العظيم أطلقك من دلوقتي، واخلي سمعتك زي الزفت
***
بدأ الحديث بين هذين المُجتمِعين بقَدَر غريب، عن المطعم وعن تلك الكافتيريا وعن حادثة السيارة، وما حيرهما أكثر هي قصة زينب ومحمود التي أثارت فضولهما، ثم عن العم فؤاد وأين كانا، ثم أين أصبحا، وتمنيا ألا تنقطع عنهما هذه الحياة التي وجدا فيها بعض الأمان.
انتهى الحديث بينهما وقد دخل الاثنان للنوم ليبدآ عملهما في الصباح الباكر، ودخلت هي حجرتها وأخرجت من حقيبتها تلك القائمة الخاصة بالمشروبات، والتي استأذنت خالد في أن تأخذها معها للمنزل وقلبت القائمة لتجد تلك القصة الخاصة بافتتاح المقهى، والتي حاولت قراءتها في المقهى ولكن صخب المكان منعها من ذلك، وبدأت تقرأ:
"أُدعى خالد سمير، أحببت في سنوات الجامعة ثم تزوجت بعد التخرُّج وكانت هي كل ما لي في هذه الحياة، افتتحت ذلك المقهى بعد التخرج وأسميته وقتها Special، وقد ساعدني ذلك الرجل صاحب المطعم بجانبي – العم فؤاد – وألغى المشروبات لديه ليترك لي المجال جزاه الله خيراً، كان لدى زوجتي ذلك الحلم، عندما كنا نحب بعضنا كنا بالطبع نذهب للعديد من الكافيتيريات ولكن نجد دائماً الغمز واللمز من الكثيرين، لذلك طلبت مني أن أجعل المقهى الخاص بي للأحبة فقط، رفضت في البداية؛ لأن هذا سيحدد رزقي ولن يكون هناك زبائن كثر، ولكنها يوماً ما رحلت عني وتركتني دون حتى توديعي، تركت ذلك القلب المعلق بها، تركتني للوحدة وتركت قلبي للبؤس فقط، ومنذ وقتها قررت أن أرى قصة حبنا وهي تنتشر بين الآخرين، ولذلك اليوم مقهانا اسمه (مقهى الأحبة) ولا مكان فيه إلا للأحبة فقط، أعتذر لغير المحبين ولكني لا أستطيع الآن أن أفعل غير هذا".
ترقرقت دمعات خفيفة في عينيها، وابتسمت راضية عما فعله ذلك الرجل، وتمنت يوماً ما أن تقابل رجلاً مثله يحبها ويخلص لها بتلك الطريقة الرائعة.
سبتمبر 23, 2023, 1:42 م
جميل جدا احسنت ارجو قراءة مقالاتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.