ما زالت حبيسة زنزانتها لا تعلم إن كان ذلك الرجل سينقذها أم أنه سيصدق زوجته في النهاية، هي تعلم جيدًا أنه يحبها حبًا جمًا ومن الممكن أن يتخلى عن أي شيء في سبيلها، أحيانًا تشعر أنه عبد لها، فهل سيتخلى عنها أيضًا لأجل زوجته؟
لم يمر وقتًا طويلًا حتى أتتها الإجابة من تلقاء نفسها، حيث دخل عليها المخبر لينادي باسمها، هبت واقفة وخرجت معه بأقصى سرعة ووصلت معه لحجرة المأمور لتجدها وزوجها وإسلام والمحامي، خطر ببالها أن تلك السيدة رفضت التنازل وأنها ستتعفن في السجن وستصبح هذه نهايتها، فبعد تعرضها لحادث وفقدانها ذاكرتها ينقصها أن تُحبس لسنوات في السجن، يا لهذا القدر اللعين!
أفاقت من شرودها على صوت مأمور القسم وهو يقول لها:
- ورد.. مدام هناء جت عشان تتنازل عن المحضر
ابتسمت وقبل أن تنطق بكلمة واحدة سجدت لله في الأرض ثم قامت باكية وقالت :
- أنا كنت فاكرة إني هفضل هنا طول عمري.. الحمد لله.. الحمد لله
ثم نظرت للسيد وقالت ممسكة بكلتا يديه:
- أنا مش عارفة أشكر حضرتك ازاي يا أستاذ عليّ.
سحب يده من يدها بسرعة بينما هي نظرت للسيدة وقالت لها:
- ربنا يعلم إني حبيتك وعمري ما خنتك أبدًا ولا مكنتش قد الأمانة ومتشكرة أوي انك ساعدتيني ربنا يخليكي
أومأت برأسها قائلة:
- عارفة كل دة ومعلش يا ورد حاولي تسامحيني.
ابتسمت قائلة:
- مسامحاكي والله العظيم مسامحاكي
***
أُقفل المحضر، وخرج الجميع من سراي النيابة، وقف إسلام مع ورد والمحامي والعم فؤاد، وشكرت الفتاة العم فؤاد والأستاذ محمود على صنيعهما، ابتسم محمود وتقبل شكرها ثم هم بالانصراف مسرعًا ليقول له العم فؤاد وهو يضحك:
- طبعًا الأستاذ فرحه بعد يومين ولازم يحضر نفسه بقا باديكير ومانيكير وكدة
ضحك الجميع ورد محمود قائلًا:
- يا عمو أنا العريس مش العروسة.
ثم انصرف وتركهم، بينما أخذ العم فؤاد الشباب إلى المنزل، وقال بينما يقود السيارة:
- أنا عندي ليكم عرض يا ولاد
قال الاثنان في الوقت نفسه:
- خير يا حاج فؤاد.
ابتسم قائلًا :
- أنا فاتح مطعم في محطة الرمل.. مطعم سمك وكدة.. ايه رأيكم أنا محتاج 2 جرسونات يشتغلو معادش عندي حد مشو كلهم أيام الحظر والحمد لله هنرجع تاني.. وليكو عليا اوفرلكو السكن كمان.
نظرا لبعضهما البعض وابتسما ثم قال إسلام:
- يا ريت يا حاج فؤاد دة كدة تبقا حضرتك أنقذتنا.
- خلاص يبقا تروحو كدة تلمو حاجتكم م العمارة وتيجو معايا أوريكو المطعم واعرفكو هتسكنو فين.
***
مشى الزوجان بعيدًا عن مبنى النيابة، ودخلا إلى سيارتهما ثم نظر لها نظرة ذات معنى فابتسمت له وبادلها الابتسام ثم انطلقا إلى وجهتهما، وتذكرت هي حديثه لها البارحة بعد أن تناولا الإفطار.
أنهى معها الطعام ثم قرر الآن أن يفاتحها وهما يحتسيان الشاي في شرفة منزلهما، تنحنح بهدوء ثم سألها متصنعًا الجهل:
- هناء.. اومال أنا مش شايف ورد من ساعة ما رجعت من السفر هي فين؟
تغير وجهها الرومانسي إلى وجه آخر بدا منه شررٌ خفيف:
- متفكرنيش بيها دي طلعت حرامية متستاهلش أي خير كنت بتعمله معاها.
بدا أكثر جدية وهو يقول:
- الراجل اللي اتصل بيا امبارح وقلتلك إنه صاحبي ده كان المحامي بتاعها .. إسلام عطاه رقمي وهو كلمني وعرفت منه كل حاجة .. وأنا متأكد ان البنت دي متعملش كده.
ابتسمت بسخرية وهي تقول:
- ومالك واثق فيها أوي كده ليه؟ تكونش حبيتها؟
بدا عليه الانزعاج ولكنه تمالك أعصابه وقال متصنعًا ابتسامة:
- أنت عارفة إني مش بحب غيرك.. بس البنت غلبانة ومتستاهلش منك كدة.
ازداد اشتعال وجهها وقالت بحدة:
- أنت ليه بتعاملني على أني مجرمة ليه بتكلمني كأن أنا اللي قلتلها اسرقي.
نظر لعينيها بثقة وقال:
- لا بس أنت اللي حطتيلها السلسلة في البنطلون.
ازدردت ريقها بصعوبة وقد علا صوتها وهي تقول:
- لا طبعًا معملتش كدة وبعدين ازاي تبقى واثق فيها أكتر مني؟ أنا اللي مراتك مش هي وأنت بتحبني أنا مش هي.
ثم هبطت دموعها وحاولت الانسحاب من المناقشة لولا أنه تمسك بها بشدة واحتضنها بقوة وقال:
- طبعًا بحبك وعشان بحبك عارفك كويس وفاهم أنت بتفكري ف ايه .. محدش ف الدنيا دي فاهمك قدي أنا.. أنا آسف سامحيني اتماديت معاها في الكلام وقربت منها لدرجة أنك فهمتيني غلط.
خرجت من بين ذراعيه وقد ازدادت دموعها انهمارًا ونظرت للأرض ولكنه رفع وجهها إليه وقال:
- يا حبيبتي لازم تخرجي م الأفكار دي بقا.. عشان خاطري اسمعي كلامي وتعالي نروح لدكتور وأنا عمري ما هسيبك هبقا معاكي فكل خطوة .. بس بلاش ندخل الناس فمشكلتنا .. دي بنت غلبانة ومتعرفش حاجة عن دنيتها أبعديها عن دنيتنا احنا وتعالي نساعد بعض ونطلع م الحكاية دي سوا.
جلست على أقرب كرسي لها وما زالت تبكي حتى جلس أمامها وقال:
- تعالي يا حبيبتي بكرة نتنازل عن القضية دي وبعد كدة نحل مشكلتنا سوا.. ممكن؟
نظرت له وقد أومأت برأسها وقررت أن تفعل ذلك حتى تتخلص من ذنبها وعقدتها التي أثرت فيها وعلى زوجها، لم تكن تعلم أن تلك المشكلة ما زالت متشبثة بعقلها لدرجة أنها عندما رأته يتحدث ويضحك معها قليلًا، تذكرت أباها والخادمة التي حاول الاعتداء عليها، وموت والدتها بسبب ذلك، وقررت أن تطردها عندما يسافر، ظلت تبحث عن حجة لتطردها بها ولكنها لم تجد، ولذلك قررت أن تفعل ذلك بها قبل أن يعد زوجها لتتخلص منها للأبد.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.