دقَّ المنبه ليعلن عن الساعة الثامنة صباحًا، فتحت عيناها ثم تململت في فراشها الكبير، ولكن قبل أن تستيقظ بهدوء وكأنها تذكرت شيئًا ما..
فقامت مسرعة تبحث عن سلسالها الذهبي الذي تخرج به كل صباح وهي ذاهبة إلى العمل ولكنها لم تجده، ظلت تبحث في جميع الأماكن حتى صندوق القمامة ولكن بلا جدوى، إلى أن خرجت الخادمة من غرفتها وابتسمت كالعادة وهي تقول:
- صباح الخير يا مدام.
نظرت السيدة لها متأففة وقالت:
- مشفتيش سلسلتي الدهب اللي بلبسها كل يوم الصبح.
- لا والله يا مدام مشفتهاش خالص.
تنهدت قائلة:
- بصي يا ورد أنا دورت في كل مكان في البيت ملقتش حاجة ومعادش فاضل غير اوضتك عشان كدة هدور فيها وانا فعلا مقصدش حاجة بس معلش زي ما دورت ف كل حتة هدور فيها
قالت لها بكل ثقة:
- طبعا دة حق حضرتك اتفضلي
قامت السيدة تبحث في جميع أرجاء الغرفة وقلبتها رأساً على عقب بالفعل وسط سخط يظهر من نظرات الفتاة على الغرفة التي أصبحت كصندوق القمامة، ثم همت السيدة بالخروج من الغرفة ولكنها فكرت في ثيابها المعلقة وراء باب الغرفة، فعادت مرة أخرى لتغلق الباب وتفتش في جيوب ثيابها لتجده بالفعل في جيب بنطال كانت قد أعطته لها منذ فترة لترتديه، نظرت إلى السلسال ثم نظرت لها وبدأت النيران تندلع من مقلتيها وقالت:
- أنتِ يا ورد؟! أنتِ تعملي كدة! دة أنا عاملتك زي ما تكوني من أهل البيت وعمري ما بخلت عليكي بحاجة بقالك هنا 6 شهور لحد ما آمنتلك وبعدين تعملي كدة؟ أنا مش هسيبك أنا هبلغ عنك البوليس اللي زيك لازم يتحبسو..
كل هذا وسط ذهول من الخادمة لا تعرف لماذا يتلجم لسانها في هذه اللحظة بالذات، من المفترض أن تحاول الدفاع عن نفسها، ولكنها ظلت صامتة واجمة لا ترد بأي شيء حتى جاءت الشرطة وأخذتها وسط نظرات من الجيران ومن البواب دون أن يحرك أحدهم ساكنًا، إلا ذلك الشاب الأسمر ذو الشعر الأسود المجعد الذي كان يقف بجانب البواب والذي ما إن رآها وهي تركب سيارة الشرطة حتى هرع إليها في لهفة وهو يسألها:
- ايه اللي حصل؟
لتصدر هي أول صوت منذ ذلك الصباح وكأنها وجدت ملاذها الذي تعرف أنه سيصدقها، وأخيرًا هبطت دموعها وهي تقول:
- مش عارفة والله ما اعرف حصل ايه.
سارت سيارة الشرطة في طريقها للقسم وظلت تهتف بصوت عالٍ:
- اسلام متسيبنيش يا اسلام.
***
ظلت السيارة تبعد عن ناظريه حتى وضع يده على رأسه ثم عاد إلى المبنى خالي الوفاض وجلس على أحد سلالم المدخل ناظراً للأرض في أسى، ولا يعرف ماذا سيفعل في هذا الأمر، بالطبع يجب أن يأتي لها بمحامٍ، ولكنه لا يعرف محامين بتلك البلدة الجديدة عليه كليًا، قطع تفكيره ذلك الصوت الأجش الذي قال له:
- ايه اللي حصل الشرطة كانت بتعمل ايه هنا يا إسلام يا بني؟
أفاق من شروده والتفت ليجد رجلاً خمسينيًّا يجلس بجانبه من ناحية اليسار، يبتسم ابتسامة حانية كعادته ويربت على كتفه وهو يقول:
- احكيلي يا بني حصل ايه؟
- خدوا ورد ع الشرطة يا حاج فؤاد.
ثم بدا التأثر على محياه وهو يقول:
- احنا لقينا نفسنا فبعض، احنا قصتنا متشابهة جدًا وبصراحة أنا مش فاهم ايه الصدفة الغريبة اللي جمعتنا دي، المهم يا حاج أني أخيرًا لقيت أخت ليا، وبعد ما اشتغلت معانا هنا فترة لقيتها طيبة وبنت حلال ليه يحصلها كدة؟ مش عارف ليه في حاجة جوايا بتقولي انها بريئة من الهبل دة.
ربت الحاج فؤاد على كتفه ثم سأله:
- عندك شغل دلوقتي؟
- لا معنديش.
قام من مجلسه وشد يد الشاب ليقف معه ثم قال له:
- تعال معايا هنروح مشوار.
ركب الرجلان معًا تلك السيارة القديمة الطراز الخاصة بالعم فؤاد، وبدأت السيارة بالسير للأمام بينما بدأ عقل إسلام بالسير للوراء، تذكر تلك الفتاة التي يبدو على وجهها بعض الكدمات الواضحة ورأسها المعصوب، يبدو عليها أنها قد ضُربت ضربًا مبرحًا، بينما كان هو يقوم بمسح سلالم المنزل الخارجية سمع شيئًا ما يرتطم بالأرض بقوة، فالتفت في فزع ليجد تلك الفتاة بتلك الهيئة المفزعة، اقترب منها في خوف ظنًا منه أنها قد ماتت، ولكن عندما اقترب منها علم أنها ما زالت تتنفس، فأتى ببعض الماء ليسكبه على وجهها مما جعلها تستفق، عندها تنفس الصعداء وقال لها:
- أنتِ كويسة؟
قالت بإعياء شديد:
- الحمد لله.
ساعدها على النهوض ثم الجلوس على كرسي الحارس الذي كان قد ذهب ليقضي حاجة أحد السكان في العقار، ثم جلب لها كوبًا من الماء قبل أن يسألها:
- تحبي أوقف لحضرتك تاكسي تروحي بيه.
بكت وهي تقول:
- أنا بقالي يومين ماشية في الشوارع معرفليش بيت ولا أهل ولا حتى عارفة اسمي ايه.. أنا كنت في مستشفى حكومي كدة ولما فقت الدكتور قالي إني فقدت الذاكرة، وخرجت من المستشفى بعد ما كتبت إيصال بالمبلغ اللي عليا للمستشفى، ومش عارفة لحد دلوقتي هجيبه منين.. وتقولي تاكس دة انت طيب اوي.
ابتسم في عدم تعجب من ما قالته ثم قال:
- بقولك ايه احنا نستنى البواب وهو هيساعدك ف الحوار دة اي نعم مش لوجه الله بس اهي مساعدة والسلام.
جاء حارس العقار ووقتها قصت له تلك الفتاة كل ما حدث معها، فقدمها لإحدى ساكنات البناء طلبت منه خادمة في وقت سابق مقابل عمولة له، ووافقت هي على الفور فهي احتاجت لخادمة بشدة نظرًا لترقيتها في عملها وازدياد مشاغلها.
استفاق من شروده على صوت العم فؤاد وهو يقول :
- وصلنا يا إسلام يلا يابني تعالى معايا
قال متعجبًا:
- لو تعرفني بس يا حاج فؤاد احنا رايحين فين.
قال بجدية:
- تعالى وهتعرف كل حاجة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.