خوله كامل عبدالله الكردي مايو 7, 2023, 1:55 م

رواية "دجى"ج57.. روايات عربية

بالنسبة لرأفت يشعر أنه يعمل لمصلحته بالدرجة الأولى، فهو يريد أن يكسب مالاً كثيرًا ليحضر طعامًا ومؤونة للبيت؛ لأنه من الآن فصاعدًا أصبح رجل البيت.

ظل يسير ويتأمل الحي ودوره، حتى وصل إلى البيت فاستبشر خيرًا، دخل ووجد أمينة تجلس وحدها تحدق بصورة أمها، ودجى في غرفتها تجلس على السرير تتدثر بالغطاء وتقرأ كتاب الأندلس لتعود من جديد لتبحر في أحداثه وكلماته، وتمني النفس بمشهد انتصار يأتي كالمعجزة، وتقرأ وتخنقها الأحداث بتتابعها وتسلسلها الذي يفضي إلى سقوط مروع وآهاتٍ وأنين المذعورين وصراخ المستغيثين، كأنها تعيش تلك الأيام بكل تفاصيلها، وتحصي كل دمعة تنزل على وجنة طفلة فقدت أهلها، أو سجين اكتوى بنار التعذيب والتنكيل، أو جرح نازف من فارس قاتل حتى فاجأته طعنة غادرة.

لم يكن يومًا يخطر على بال رأفت أنه سيكون سمسارًا يقبض مالاً من الناس، كي ينقلهم في قارب صغير يعج بالهاربين الحالمين من الرجال والنساء والأطفال... وإن شارف القارب على الغرق! المهم لهم أفضل طريق للنجاة من ويلات الحرب. تسأله باستغرابٍ وامتعاض:

- هل تعرف ما أنت مقبل عليه؟!

يهز رأسه وعينيه يأخذهما الشرود:

- نعم أعرف يا أمينة... تلك هي الحياة يجب علينا أن نقاوم صعابها ومشاقها كي نعيش، وإلا ابتلعتنا... ساعتها لن ينقذنا أحد!

حدجته بنظرة ثاقبة:

- لكن كيف ذلك يا رأفت وأنت بعملك هذا تساعد على زيادة مآسي الناس وأوجاعهم!

يطأطئ رأسه ثم ينظر إليها مبتسمًا ابتسامة ساخرة:

- وما الخطأ أن يتعلق الغريق بقشة؟!

ترد بنبرة صارمة:

- وما الخطأ في أن نصبر ونبحث عن عمل آخر؟!

يفتح عينيه على اتساعها، يسهم لهُنيهة يقلب كلامها في رأسه ويومئ للأمام ثم يرفع رأسه ويتابع حديثه:

- وما الجرم في أن نجمع المال كي يعيننا على قساوة هذه الأيام؟!

تقطب حاجبيها معترضة:

- أنا لا أريدك أن تكون سمسارًا للموت!

يصمت ثم ينسحب إلى غرفته. لم يكن قادرًا على مواصلة الحديث ولا راغبًا في خسارة عملٍ يُعدُّه كنزًا جاءه من أوسع الأبواب؛ لأنه محظوظ وليس كل شخص يأتيه الحظ على طبق من ذهب!

يضع رأسه على الوسادة ويفكر في كلام أمينة، هل يستطيع أن يستغني عن عمله ويخبر أبو جلال بقراره أم يدخل عالم غريب عنه لم يخبره من قبل ويقتحم سراديبه ويكشف أسراره فيعود بالنفع العظيم عليه وعلى أختيه!

بقلم خوله كامل عبدالله الكردي

حاصلة على الماجستير في الإدارة التربوية ، خبرة في كتابة المقالات والقصص والروايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة