خوله كامل عبدالله الكردي أبريل 27, 2023, 4:31 م

رواية "دجى"..ج48 روايات عربية

تتقرفص أم رأفت على الأرض وتضع يدها على رأسها، وتتربع سهام بجانبها وتضع يدها على كتفها مطمئنة، تلتفت إليها بالقول:

- لا أدري إلى متى سيبقى الوضع هكذا؟! يا رب رحمتك... يا رب ارحمنا من هذا العذاب!

شعرت لوهلة أنها ستفقد أمينة ودجى، فالحياة من دونهما وبخاصة بعد سفر أبو رأفت لن يكون لها معنى! فالخلصاء من الجيران باتوا على مرمى حجر من استهداف الطائرات التي تضرب بلا هوادة، لا تفرق بين الحجر والبشر، بين عدو وصديق، فما عادت الحياة في هذه المدينة يتوق لها إنسان، لأنها الجحيم بعينه!

كان وجهها مكتوم اللون يميل إلى الصفرة الشديدة، عابت على تلك القلوب المتحجرة والتي لا تعرف حرمة لأحد وحق العباد في التكفين والصلاة عليهم.

وقفت سهام تفكر بما آل إليه حال أختها وأولادها، صمتت صمتاً مطبقاً لم تنبس ببنت شفة، آثرت الجلوس عند الزاوية تنظر وتتحسر على أيام جميلة رحلت الى غير رجعة، كأن الموت ناداها فرحلت تاركة عشها الدافئ قفرًا، وأهلها حيارى لا دليل لهم ولا بواكي عليهم.

لقد بدت الأحداث التي وقعت مبهمة وغير مفهومة، جبارة تحمل الجميع ما لا طاقة لهم به! حدقت في صورة أمها الساكنة في الموت، فسرت في بدنها رجفت واختنقت بغصة في الحلق، واحتبست الدموع في عينيها، تحملت هي وأختها ما لم تتحمله الجبال، تدب برحيلها على الأرض دبًا، تثاقلت منها الخطوات!

خطوات تحصي أنفاسها وحياتها خطوة خطوة، اهترأت الذكريات لكثرة استرجاعها وإيقاظها من سباتها، وغطتها أوجاع الماضي بعنفه وجفائه.

اليوم علمت سهام أن أختها أم رأفت تنتظرها أهوالاً لا حصر لها! تركها أبو رأفت تصارع الحياة ومستقبل بلا هوية، وأبناء لا يعرفون ماهية الذنب الذي اقترفوه حتى يستحقوا كل ما يحصل لهم! إنما يطلبون فسحة للسكينة ونسمة عليلة تخفف عنهم وطأة الأوجاع، تكالبت عليهم المآسي من حيث لا يتوقعون.

تلتقي أعينهما وترى في تعابير وجهها كلام.. تشعر أنها تحدث نفسها.. وفي سكونها يلمع في رأسها سؤال كبير: كيف سأحمي أولادي؟ إنهم ما زالوا صغارًا!

صحيح أنهم كبروا ولكنهم ما زالوا بحاجة إلى أب يرعاهم وأم تحنو عليهم. وتعاود السؤال مرة أخرى: كيف سأحميهم من طائرة تسقط حممها على رؤوسهم؟!

تحدقُ بأمينة ودجى وهما ينظران إليها بألم شديد متمتمة في سرها: "هؤلاء أبنائي... شاب الرأس ووهن الجسد في حملهم وولادتهم وتربيتهم حتى كبروا واشتد عودهم... لن أتحمل فراقهم... أفارقهم وكيف ذلك؟!

استكشف المزيد حول روايات فتاة الحرب روايات عربية

بقلم خوله كامل عبدالله الكردي

حاصلة على الماجستير في الإدارة التربوية ، خبرة في كتابة المقالات والقصص والروايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

آداب

ملخص كتاب "فن الحرب" للقائد والفيلسوف سون تزو

نوفمبر 17, 2023, 7:16 م - إسلام عبد الكريم السنوسي