خوله كامل عبدالله الكردي أبريل 27, 2023, 3:16 م

رواية "دجى"..ج46 روايات عربية

يجلس ويمسك بيدها ويقبلها معقبًا:

- على أمرك يا أمي... من لي غيرك يا حبيبتي... كما تشائين إذا قلت لا تذهب فلن أذهب... أنت على رأسي يا أم رأفت.

تنحدر دمعة دافئة على خدها، ويمسحها بإصبعه يبتسم ويشد على يدها ويضع رأسه بجانب رأسها قائلة:

- كلا يا حبيبي... فقط أريد منك أن تحترس ولا تعرض نفسك للخطر.. أنت ولدي الغالي.

يهزّ رأسه ويطبع قبله على جبينها:

- سمعًا وطاعة يا أجمل وأحن أم رأفت في العالم.

تشير بيدها إليه:

- اذهب يا ولدي حفظك الله... وقلبي راضٍ عنك.

يجيب بنبرة ملؤها الامتنان:

- حسنًا يا أمي...

ثم تلتقي أعينهما:

- هذه أم رأفت التي أعرفها.

يخرج ويغلق الباب، تغمز سهام لأم رأفت وتربت على كتفها لتطمئنها:

- يا أختي لم يعد رأفت صغيراً... دعيه يخرج ويعرف الحياة أكثر مثله مثل باقي الشباب.

تجيب بنبرة حزينة:

- آه يا أختي أخشى عليه! كل شيء لم يعُد آمنا في هذه المدينة، يعزّ عليّ ما حدث لجارتنا أم سعيد، الحرب لا ترحم أحدًا.

ترفع أمينة الصحون من على الطاولة وتنظفها، تجلس أم رأفت وسهام على الكنبة الطويلة ترتشفان الشاي، وتجلس أمينة مقابلهما تقرأ قصاصة من صحيفة قديمة.

أما دجى فما زالت غارقة في النوم تأخذها الأحلام إلى زمن غير الزمن الذي تعيش! لا يختلف في بؤسه وتعاسته عن واقعها، تصحو وتتأمل أشعة الشمس التي اخترقت نافذة غرفتها وتسللت إلى سريرها، فانعكست على عينيها وزوايا من الغرفة، وصوت الجرافات ترفع ركام بيت أم سعيد مهيمن على سكون الصباح، وصياح أهل الحي لإرشاد سيارات الإسعاف عن مكان جثث بقيت تحت الركام منذ ليلة البارحة، ومشهد بكاء وعويل لم يسلم منه أحد.

تنظر لأم رأفت وأصوات رفع ركام البيوت التي قصفت، ورجال الإسعاف مع متطوعين من أهل الحي، يتعاونون على انتشال الجثث التي انهارت عليها البيوت، وضع الناس أيديهم على أنوفهم فالرائحة لا تطاق في هذا المكان، يعلو هذا الحدث على حديث أم رأفت وسهام، تحضر دجى وتجلس على الكنبة بجانب خالتها التى تلتفت إليها مستوضحة:

- ها يا دجى "عاش من شافك" إلى الآن تنامين؟! ما نوع الكتاب الذي يأخذك ساعات طويلة ويمنعك من أن تجلسي معنا؟!

تجيب بثقة:

-يا خالتي هذا كتاب عن الأندلس وقصة سقوطها.

تهز رأسها محدقة بها وهي تسوق لها مبررات سهرها وعدم جلوسها معهم.

تعض على شفتيها مستنكرة:

- إمم... يبدو أنك ستغرقين في أحداث تاريخية لا نهاية لها...

تجيب بلا مبالاة:

- لا عليك يا خالتي تعودت على ذلك.

تتمتم في سرها مستهجنة "لا أدري ما تريدين بوجع القلب هذا"!

استكشف المزيد حول فتاة الحرب روايات عربية

بقلم خوله كامل عبدالله الكردي

حاصلة على الماجستير في الإدارة التربوية ، خبرة في كتابة المقالات والقصص والروايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

آداب

ملخص كتاب "فن الحرب" للقائد والفيلسوف سون تزو

نوفمبر 17, 2023, 7:16 م - إسلام عبد الكريم السنوسي