خوله كامل عبدالله الكردي فبراير 28, 2023, 11:31 ص

رواية "دجى"..ج4

تصمتُ دجى وقد بدت عيناها تلمعان وهي تنظر إلى الغيوم التي ملأت السماء، والرياح صوت صفيرها يزداد قوةً، تكملُ دجى حديثها مع هالة:

- إلى الآن أتذكرُ ساعة غادرت أنت وأسرتك إلى مدينة أخرى، كم كان حزن رأفت كبيراً وألمه أكبر، لقد ظل في غرفته يوماً كاملاً لا يتحدث مع أحد، وعندما خرج لمحنا على وجهه علامات الهم والحزن الشديدين!

تنصت هالة بهدوء ولا يسمع إلا صوت أنفاسها تتصاعد بسرعة... تستطرد قائلة:

- كل شيء انقضى وتزوجت هنا وانتقلنا إلى هذه البلدة، تعلمين يا دجى أن الحرب لم تبقِ شيئاً على حاله، انهار كل معنى جميل فجأةً بين ليلة وضحاها...

تتسمر دجى مكانها وكأنها تسمع صوتًا يناديها:

- نعم.. نعم انتظري يا هالة أسمعُ صوت أمي...

تتلفتُ هالة حولها وتحدق بدجى مستغربةً كيف انقلب حالها هكذا ومن غير مقدمات! وأين أم رأفت لا أراها... ألم تمت في الحرب؟!

دجى في غرفتها الصغيرة بجانب النافذة خزانة بيضاء بدفتين سَجادة حمراء بنقوش بيضاء ذات وبر كثيف، نافذة واسعة تغطيها ستائر بيضاء شفافة بتوشيحات حمراء، وطاولة صغيرة بجوار سريرها، ومكتب بمقعد خشبي، ومصباح صغير، وأوراق وكتاب.

صوت ينادي دجى:

-دجى... يا دجى.

تغادر دجى سريرها مجيبة:

- نعم يا أمي.. ها أنذا قادمة.

الساعة الثامنة صباحًا، اليوم هو يوم الجمعة، والفصل هو فصل الصيف، تدلف دجى إلى المطبخ لمساعدة أمها في تجهيز طعام الإفطار... بعد قليل تعود إلى غرفتها مرة أخرى، وهي تتحدث مع أمها بصوت عالٍ:

- حسناً يا أمي.

تشرع في ترتيب غطاء سريرها، وفجأة تشاهد كتابها على السرير، تستغرب لأنها تعلم أنها وضعته على طاولة المكتب، تتساءل من الذي أحضره إلى هنا، تُحدث نفسها "ربما وضعته أنا ونسيت... ربما!"

تكمل دجى ترتيب فراش سريرها بعد أن وضعت الكتاب على الطاولة، تخرج من غرفتها... وقد بدت الغرفة وكأنها مسكونة، تُفتح النافذة فجأة، ويدخل هواء شديد الحرارة يعبث بالستائر وأوراق الكتاب.

وفي لحظة يعود الهدوء إلى الغرفة، وتُغلق النافذة، ويسكن الهواء وكأن شيئاً لم يكن!

في الصباح تقف دجى أمام النافذة تنظر إلى والدها وبيده حقيبة سفر، اليوم سيسافر ولا تدري هل تراه مرة أخرى أم لا! الدمعة تنزل على وجنتها فشعرت بها ساخنة حتى وصلت لشفتيها بطعمها المالح، تلوح بيدها مودعة!

تصادف عيناها عينيَّ والدها، وقبل أن يستقل الحافلة يلتفتُ إليها مودِّعًا ومبتسمًا... اغتصبت ابتسامة فبدت ذابلة لا معنى لها، يصعد الحافلة بقدمين متثاقلتين مجبرتين على الرحيل! يغلق الباب خلفه وتمضي الحافلة، ظلَّت دجى تراقب والدها حتى اختفت الحافلة من أمام ناظريها.

استكشف المزيد حول رواية روايات فتاة الحرب

بقلم خوله كامل عبدالله الكردي

حاصلة على الماجستير في الإدارة التربوية ، خبرة في كتابة المقالات والقصص والروايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

آداب

قراءة في رواية "شآبيب" للكاتب أحمد خالد توفيق

ديسمبر 4, 2023, 8:39 م - ميساء محمد ديب وهبة