تنظر لدجى نظرات استهزاء وازدراء، تقف أمام الطاولة وتكتف يديها مجيبة بلا مبالاة:
- لا أعرف كانت مجرد مزحة لم أقصد شيئًا أردت تسليتك!
تقترب منها وتشير بيدها غاضبة مستنفرة:
- يا لك من حمقاء! هل هذه مزحة؟! إنها مزحة سمجة كصاحبتها!
تطرق لوهلة وتلتفت إليها وبنبرة منفعلة:
- هيا اغربي عن وجهي!! هيا اغربي لا أريد رؤيتك... لا أريد.
تسمع صوت أمها يناديها:
- يا دجى... يا دجى... تعال يا ابنتي لقد جهز الطعام.
تحدق بالفتاة متوعدة ومهددة:
- هذه أمي... تعرفين لن أسكت على تصرفاتك بعد الآن... سأعرف كيف أتخلص منك!
ترمق دجى بنظرات لا تخلو من المكر والدهاء يشي بأنها تضمر أمراً مخيفاً لها.
...
أمينة في غرفتها تجلس على السرير تفكر بما آل إليه حال دجى، تفكر بضرورة وضع حد لتلك التصورات التي تنتابها بين الفينة والأخرى، فلم تعُد هي ولا حتى رأفت يطيقان توهماتها التي زادت عن حدها، فالخشية أن يستفحل الأمر معها ويخرج من بين أيديهما ويصلان معها إلى نقطة دون عودة، أي فقدان دجى للأبد... لا يمكن السماح أن يحدث ذلك مطلقًا! تهمس في سرها.
فهي العزيزة الغالية على قلب والديها آخر العنقود والمدللة. لا يمكن السكوت على يحصل لها! يجب عرضها على طبيب مختص! ساعتها تذكرت يوم أن جاءت دجى للحياة...
كم كانت فرحة والديها بمجيئها، لأنها تشبه أمين كثيرًا كأنهما توأم، إلا اللهم هو ولد وهي بنت، وتتذكر عبارة والدها: هذا أمين رجع إلينا!! حدجته سارة بعينيها مستغربة:
- ماذا دهاك يا أسامة ؟! هذه ابنتنا دجى.
يحدق بدجى وترتسم ابتسامة مشرقة على وجهه قائلاً:
أدرك ذلك يا سارة... لكنها تشبهه كثيرًا.. كأنها هو!
تتأمل قسمات وجهها وهي بين ذراعيها ومتدثرة بغطاء أبيض وتغط في نوم عميق:
- هذه ابنتنا دجى انظر ما أجملها... ذكرى من الغالي أمين!
لقد كانت تربية دجى مليئة بالعناء والمشقة! أصيبت باليرقان ساعة ولادتها وذاقت أمها الأمرين في رعايتها والاعتناء بها أثناء فترة مرضها، وصار أسامة شاحب الوجه زائغ العينين خوفًا عليها أن يصيبها أي مكروه ويفقدها كما فقد شقيقها أمين!
كانت تبكي طيلة الليل وتدور بها أمها حتى كلت قدماها وأصابها الانهاك، يأخذها ويحاول تهدئتها وقراءة القرآن عليها لتسكن قليلاً وتنام، لم يطاوعه قلبه أن يترك سارة تعاني بمفردها ظروف مرض دجى!!
انقضت تلك الأيام وكبرت دجى وزاد ارتباطها بوالديها، كانت لا تترك أمها تذهب إلى أي مكان من غير أن تصحبها، وإذا ما غافلتها وخرجت خلسة تظل تبكي وتصيح حتى يغلبها النعاس وتنام.
أحبها والدها لأنها تذكره بأمين ومن شدة تعلقه بها احتفظ بصورتها في محفظته كي تكون قريبة من قلبه، هي أقرب أبنائه إليه، عندما يعود من عمله كان يجلب لها كل ما تطلبه وتشتهي من الفاكهة المجففة والمكسرات اللذيذة.
أبريل 5, 2023, 2:48 ص
قصة تزداد روعة كلما تقدمنا في الأجزاء . إلى الأمام .
أبريل 6, 2023, 1:50 ص
👍👏
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.