خوله كامل عبدالله الكردي مارس 6, 2023, 8:25 م

رواية "دجى"..ج10

عاد أبو رأفت إلى موضوع السفر من جديد، وصار الحديث عنه أمراً لا بد منه، كل ليلة تسمع دجى وأمينة ورأفت جدالاً، يفضي إلى الصمت المطبق، تضع دجى رأسها على الوسادة وتضطجع على جنبها الأيمن وتضع يدها اليمنى تحت وجنتها، تحدق بالقمر الذي طلع وسط سماء توشحت بالعتمة، يشغل تفكيرها إصرار أبيها على السفر وتركهم وسط معمعة الحرب وموت بطيء في كل شيء، الكلاب الضالة انتشرت بحثاً عن طعام يقيها شر الجوع..

الناس باتت تقفل أبوابها عند حلول المساء، فاللصوص باتوا يتحينون الفرصة للانقضاض على غنيمة تهبط عليهم في غفلة من أصحابها، المدينة لم تعُد مكاناً آمناً للعيش فيها، فالحصار جثم عليها وأطبق على كل ركن وناحية فيها.

يفكر رأفت بأن يسابق الزمن ويغادر كما غادرت هاله وأسرتها، لكنه لا يستطيع لأن أمه وشقيقتيه أمينة ودجى سيصبحن بمفردهن في ظل أوضاع أقل ما توصف بالموحشة، خاصة إذا أصر والده على الرحيل، ساعتها لن يكون له خيار سوى البقاء ومواجهة عواقب هذا الخيار، وفجأة يقطع تفكيره صوت جدال حاد بين أبيه وأمه:

- ماذا تريدين أكثر مما حدث؟! هل تريدين أن نموت جوعاً؟!

- أنا لا أريد أن تتركني وحيدة أنا والأولاد أخاف عليك وعليهم.

- أنا حقاً أصبحت عاجزاً عن اقناعك!

يغادر أبو رأفت الغرفة ويترك أم رأفت تصارع ألم إصراره على الرحيل، تجلس أمام ماكينة الخياطة التي لم تعُد ذات أهمية في ظل حاجة الناس للطعام قبل الثياب، فقد أصبح تفصيل الثياب من قبل النساء في البيوت صار أمراً في غاية الترف!

في الصالة يسير أبو رأفت ذهابًا وإيابًا ممسكًا بسيجارته يدخنها بشراهة، محاولاً ألا يتركها حتى تتلاشى، أصابعه تطبق على أنفاس ما تبقى من سيجارته، فلم يعُد يستطيع أن يحصل على السجائر فجميع المحال والدكاكين والمتاجر أقفلت أبوابها، وتركها أصحابها خاوية يملؤها التراب وعبث الفئران.

مالت الشمس نحو الشروق وأتى الصباح وتوغل، وبدأ يوم جديد من أيام الحرب القاتلة! المنزل يلعب فيه الهواء الذي اختلس الدخول من النافذة، الستائر تتطاير عالياً ثم تنخفض تدريجياً وشعاع الشمس انتشر في زوايا المنزل، السكون خيم على البيت... يوجد صوت يصدر من غرفة أبو رأفت وأم رأفت إنه صوت ماكينة الخياطة أم رأفت تجلس عليها تخيط سروال رأفت الذي تمزَّق طرفه جراء مسمار علق به أثناء خروجه من البيت.

استكشف المزيد حول رواية روايات فتاة الحرب

بقلم خوله كامل عبدالله الكردي

حاصلة على الماجستير في الإدارة التربوية ، خبرة في كتابة المقالات والقصص والروايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

آداب

قراءة في رواية "شآبيب" للكاتب أحمد خالد توفيق

ديسمبر 4, 2023, 8:39 م - ميساء محمد ديب وهبة