أصبحت ياسمين زوجة أحمد مدى الحياة، كان يرى أحمد ياسمين فتاة جميلة الخلق والمظهر، لذلك لم يحزن بشدّة، ولكن اشتدّ عليه الاضطراب حين تذكّر أنّ والدته كتبت له قائمة مليئة بأسماء عرائس كي يختار واحدة منها.
والآن ستعتقد والدته أنّه يعصِي كلامها، ولا يريد أن يتزوّج من اختيارها، وكذلك كان متيقنًا من عدم تصديقها لتلك القصّة شبه الخرافيّة، ففي البداية كان ذاهبََا للعمل مع صديقه، فاصطدما.
ويستيقظ ليجد نفسه في غرفة مغلقة، ويموت صديقه إثر عدم تحمّله للحادث، ويفيق ليجد نفسه مُجبرًا على الزّواج من ابنة العمدة كيلا يموت من الوحدة.
كثير من الأحداث الّتي جعلت دماغ أحمد تكاد تنفجر من التّفكير، فهمس في أذن ياسمين قائلََا لها: ياسمين، خذيني لنذهب إلى غرفتك.. إنّني متعب للغاية من إثر الحادث الّذي حلّ بي أنا وصديقي المتوفى.
فأخذته ياسمين وذهبا إلى غرفتها واستلقى أحمد على السّرير وهو متعب جدََّا.
وارتفعت حرارته تدريجيََّا حتّى زادت عن الأربعين، فذبل وجهه، ويداه تميل للاصفرار، وهو ولا يعلم ما هذا.. نادى ياسمين وقال لها بصوت عالٍ وكأنّه يصرخ من التّعب: ياسمين، احضري لي طبيبًا بسرعة.
ولكن حين رأته ياسمين صرخت وذهبا لمناداة والدها الّذي جاء معها في أقلّ من خمس دقائق ومعه علبة مليئة بالأعشاب الطّبيعيّة.
قال العمدة لياسمين: لقد حدث معه هكذا لعدم اعتياده على المكان، ولكن بعد فترة حين يعتاد على المكان لن يحتاج إلى شرب تلك الأعشاب.
وجاء رجل من خلفه معه ماء مغليّ ووضع ورقتين من كل عشبة -كانوا خمسين شجيرة دون جذور- وقلّبها جيّدََا، ثمّ أخذتهم ياسمين لتسقي زوجها أحمد، وفور اقتراب رائحة الشّراب منه، زال الألم وزالت العلّة.
لم تُرِد ياسمين أن تخبر أحمد بذلك المرض كيلا يقلق، فذلك المرض يسمّى مرض الفراشات السّوداء، وهو مرض ينتج للغرباء المتزوجين من فتيات الرّيف.
وينتج لواحد من أصل أربعة، أي 25% يصابون بهذا المرض، وهو داء خطير جدََّا يصيب في البداية بالحمى ثمّ الشّلل النّصفيّ، وإن لم يعالج فإنّه يصيب الأعصاب ويسبّب خللًا في هرمون الأدرينالين، ممّا يؤدّي إلى أضرار صحيّة كثيرة فيما بعد.
استيقظ محمّد بعد عشر دقائق من المصل الّذي أخذه من العمدة والد ياسمين، ومن ثمّ بدأ بالّسؤال عمّا حدث له، لكنّ العمدة أسكته قائلََا له إنّه ليس معتادََا على ذلك الجوّ.
ووصل لحالته تلك من الحرارة المرتفعة الّتي وقف فيها تحت أشعة الشّمس السّاطعة، وأمرهم -أحمد وياسمين- بمغادرة الرّيف قبل السّاعة الثّانية عشرة.. لم يكن محمّد يعلم أنّه سيتعالج من هذا الدّاء حين مغادرته لكن ياسمين والعمدة كانا يعلمان بذلك الأمر جيّدََا.
في السّاعة الثّامنة مساءََ كان يوسف وياسمين قد استعدّا للرّحيل كزوجان رسميّان إلى الإسكندريّة، فتاة في السّادسة عشر من عمرها وشاب في العشرين من عمره، استعدّت ياسمين وجهّزت حقائبها.
وغيّر يوسف ملابسه وجاءت عربة لتأخذهما في طريقها إلى الإسكندريّة، وأحمد طيلة الطّريق في حيرة كبيرة، فكيف يخبر أهله أنّه قد تزوّج من فتاة قاصرة.
فتلك الفتاة لا تزال في السّادسة عشر، وازدادت حيرته حين تذكّر الفرق بين الأرياف، والحضر، فكيف ستتعامل ياسمين مع أهل أحمد، وكيف ستتقبّل والدته فكرة أنّه تزوّج دون علمها.
حين لاحظت ياسمين الحيرة على وجه أحمد قرّرت أن تتحدّث معه، فدار بينهم الحوار الآتي:
- أحمد هل لي أن أسألك سؤالََا؟
= تفضلي ما هو سؤالك؟
- لقد أَرغمك والديّ على الزّواج بي كيلا يقول عنّي النّاس عنسا، وأنت مَن أُجبَر على الزّواج بي، ولكن ماذا سيقول أهلك حيـ..
ثم قاطعها أحمد قائلََا: ياسمين، لقد أصبحت زوجتي، وسوف أدافع عنك ولن أسمح لأحدهم بقول أيّ كلمة قد تؤذيك.
لذلك يجب ألّا تقلقي بهذا الشّأن، فإنّي سوف أكمل معك مسيرتك وأدعمك كي تكملي تعليمك وتعيشي مراهقتك بحريّة.
فابتسمت ياسمين وصمتت الأجواء بين ابتسامة ياسمين ونظرة أحمد لعينيها، حتّى غفت ياسمين وأسندت رأسها على ذراع أحمد الأيمن.
عبرت السّيارة بوابة محافظة الإسكندريّة و...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.