سادين عمار يوسف سبتمبر 14, 2023, 10:15 ص

رواية "الكنعاني" ج2.. روايات عربية

عند حدود الألم وعلى مشارف الصبر وأعلى حبال الأمل علَّقتُ مصباحي، سجادة الصلاة، والتفت روحي بمسبحة تطوق رقبتي، ورسالة طمس آخرها أولها.. من يحمل هذه الرسالة!

بقية الورقة تآكلت أو أكلها طول العهد بها والصبر الطويل، سقط الجزء من الورقة الذي يقول (روى الغيث) وتبقت بقية الجملة (من يحمل هذه الرسالة)؟

وكأنه تساؤل مفتوح ألحَّ على بحضوره مستعينًا بصوت جدي الذي يأتيني بالمنام ويكرر ذات الجملة (من يحمل هذه الرسالة ؟) ليضج مضجعي، كنت كالحفيد الذي استغرقه النوم ولم يولِ للماضي التفاته، كان المشهد يملؤه صوت مفاتيح القلعة، رؤى أبواب مصر المحروسة، هيبة باب زويلة، وقناديل البيوت وكأنما صنعت من عاج وأضوائها في عيني كأنها الياقوت والكهرمان.

يا أهل مصر ، يعمُّ المكان صمت، ثم أجد نفسي وحدي..

استيقظتُ مأخوذًا بالرؤى مرتعدًا، وهب جسدي من رقدته، أبصرت فإذا أحد المساجد قائم هناك، اتجهت صوبه، صلاة الفجر يا مؤمنين، صوت المؤذن، جلست بهيئتي فتعجب من شكلي الجميع، وتعجبت منهم أيضًا، القناديل ليس بها زيت لكن السراج لا ينطفئ.

للمرة الأولى أحسست بأن ثقلاً على صدري، وراودتني صحوة شديدة تريد أن تعبر عن نفسها وتتكلم، همست للإمام أن رسالة عاجلة أودُّ تبليغها بعد الصلاة، وما أن أتممنا الصلاة حتى قلت بعد الحمد لله والثناء عليه وذكر ما قد كان من تاريخ الأمم السابقين، دعوتهم بأن يكونوا صفًّا واحدًا، وأوصيتهم بكلمات ختمتها بمحتوى الرسالة (أن انتبهوا وعدوا العدة فالمغول قادمون..)

ما أن تفوهت بذلك حتى تعجب الجميع، ونظر بعضهم لبعض وقال أحدهم: نحن في سنة ألفين، العام الثالث والعشرون.

-كيف؟ والمغول هل ذهبوا؟ والرسالة؟

شعر الجميع أن شيئًا ألم بي، واعتقدوا أني مريض، وتنحيت عن مواصلة الكلام، وأغلقت الأنوار ، وتولي الجميع وأنا صامد بمكاني.

نظر إليَّ الشيخ ثم قال: ها قد انصرف الجميع أخبرني ما حكايتك؟

لدي رسالة كنت مكلفاً بتبليغها للخليفة العادل، فلما أيقنت بعدم مقدرتي على تبليغه إياها أعلنتها على عموم المسلمين.

نظر إليَّ بحنو وقال: هل لديك مكان تذهب إليه؟

فقلت له: السقف سقط ولم يعد معي دراهم إلا تلك، نظر إليها مليًا ثم أيقن ببصيرته وعينه إنني قادم من زمن آخر.

- إذا كان ذلك ممكنًا فكيف حدث ذلك؟ ثم نظر إليَّ وقال: تعالَ معي ولا تخبر أحدًا عن حكايتك..

ومضيت معه، وقد تخطفتني الأفكار ومادت بي التساؤلات في كل صوب، ولم يتفتق لساني عن كلمة واحدة بعد أن أدركت أن المماليك فنوا، وأنه قد وَلَّى هذا العهد وانصرف المغول..

بقلم سادين عمار يوسف

نحن من تحملنا الكلمات وتضيق بنا الدنيا. وتقبض عنا عمداً أياد فيحمل الله قلوبنا على أجنحة الملائكة .

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

بومالة مليسا

سبتمبر 14, 2023, 12:45 م

جميل ❤️..الرجاء قراءة مقالاتي وتعطيني رايك فيها 🌹☺️💟

أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سادين عمار يوسف

سبتمبر 14, 2023, 1:52 م

شكرا لمرورك الكريم حبيبتي ، ويسعدني دائما قراءة مقالاتك وإبداء رأيي المتواضع ...دمت بخير

أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

بومالة مليسا

سبتمبر 15, 2023, 1:27 م

ان شاء الله و انت كذلك 💜..انا انتظرك اذن .. جمعة مباركة 🌷

أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

آداب

رواية "بائعة الأحلام" للكاتب جابرييل جارسيا ماركيز.. روايات عالمية

سبتمبر 25, 2023, 10:34 ص - مصطفى جاد ابو العز