رواية الغريب هي رواية غريبة كاسمها تمامًا، فالبطل غريب الطِّباع، وُلد في مجتمع غريب، وعاش حياته بغرابةٍ، تصرفاته وأسلوبه، كل شيء به ينم على الغرابة المريبة.
اقرأ أيضًا ملخص رواية "دون كيشوت".. للكاتب الإسباني ميغيل دي ثربانتس
رواية الغريب تنتمي إلى المذهب العبثي
إنها تنتمي إلى المذهب العبثي في الأدب، والمذهب العبثي يعني أنَّ وجود الإنسان ما إلا عبث، بمعنى أنَّ أفعاله وتصرفاته كلها ليس لها معنى، إنَّما الإنسان يجترُّ فقط أفكاره وأفكار مَن سبقه بعد أنْ فَقَدَ القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي.
وجاء ذلك ردَّ فعل بعد أن صارت الآلة مسيطرة على حياة الإنسان لدرجة العبودية لها، وكان الإنسان قبل ذلك يُحاول أن يفعل العكس.
بطل الرواية يُدعى «ميرسو»، ذو الشخصية العبثية التي لا تُبالي بشيء، من بداية الرواية إلى نهايتها، فهو يرى أفجر الأفعال بسيطةً، كالقتل دون ذرَّة تأنيب ضمير!
كان تائهًا ذا تفكيرٍ مضطربٍ، لا يعلم ما الهدف من حياته، يقتل هذا ويرتكب الشغب هناك، وهذا غير واقعيٍّ بتاتًا.
والأسئلة التي تراود خواطركم الآن هي: ألا يوجد شخصٌ ما ليرشده؟ ما الذي أوصله لتلك الدرجة من عدم المبالاة؟
والجواب أنه كان غير مهتم بحياته ولا بكيفية سيرها ولا بمصيره المستقبلي، ولا يُلقي بالًا بأي شيء، هو فقط يتنفَّس ويرتكب الجرائم دون أدنى ندم، أليس هذا مبالغًا به؟
هو صاحب فِكْرٍ مشبوه لا يجب أن يُعرَض أمام الملأ، فنحن القراء إن لم نكن متيقظين لكل جملة تمرُّ أمام أعيننا فسيؤثر هذا في وعينا تأثيرًا كبيرًا.
إنها سموم تُزرَع برأس القراء حتى يُخيل لهم وجود أناس حقيقيين بهذا العبث والجحود، وهذا غير واقعي يا شباب.
إنها رواية تحمل في طيَّاتها كثيرًا من الفلسفة العميقة التي تدرس شخصية جافة عديمة المشاعر كـ «ميرسو» غريب الأطوار، فقد استُخدِم رمزًا للعبثية والركود، فهو شخصية هامشية التفكير صار بطلًا عبر تفكيره المميز والمتفرد بسمومه!
لقد عكس الكاتب شخصيته المُتخبِّطة لنا عن طريق تشخيص ميرسو ومعاناته، فالكاتب بعامةِ الحديث واختصاره لم تكن حياته عادية، بل كانت غير سوية، نسبة إلى ما لاقاه من شؤمٍ بحياته.
وهذا ليس سببًا مقنعًا يدفعنا لنتجه إلى العبثية، أقصد أننا بشر مخيرون دائمًا لأي طريق نسلك، فنحن نتميزُّ بالعقل عن جميع المخلوقات، واختياراتنا متعددة فعلًا، واختيار العبث والركود ما إلا ضعف وجبن يدلُّ على اضطراب الشخصية.
اقرأ أيضًا ملخص رواية المزدوج لـدوستويفسكي.. روايات عالمية
ماذا تناقش الرواية؟
تضمَّنت الرواية في آخرها فلسفة دينية، إذ كان الراهب يعظ ميرسو، لكنه كان يتجاهله بلا مبالاته، فتفاجأ الراهب من ذلك الشخص الذي يجهل معنى الحياة، حتى إنه لا يؤمن بوجود الله، كان خاليًا من الداخل إلى حدٍّ مخيف، لا يدري عن تاريخ وفاة والدته ولم يشعر بالحزن عليها أيضًا، كان بليدًا وغير مكترث إطلاقًا بما يحدث له أو حوله.
تُناقش الرواية رغبة الإنسان العظيمة في التفريق بين معنى الحياة وهدفه فيها وكيفية عيشها، ودراسة عدم الوعي الخلقي الذي ينتج شخصية كهذه، فكيف لشخص ما ألا يُدرك أهمية حياته!؟
وتناقش أيضًا كيف أنَّ التفكير العبثي يخلف مصائبًا لصاحبه كي يصبح وحيدًا وبعيدًا عن مجتمعه، لقد كان ميرسو مفرطًا في عدم الشعور الواعي، فلقد كان يبالغ في جموده وجحوده، لذلك لم يكن أحد قريب منه.
وناقشت معرفتنا حول معضلة فلسفية تُصيِب عقل الشخص وتُحاكي مأساته النفسية، فلا يجب أن يصل الفرد لتلك الحالة من العدم والفراغ مهما مرَّ به من عقوبات ومشكلات.
لا تخلو مراجعات الكتب والروايات من النَّقد عند التَّعمق بها وبمكنونها، لذلك ما نتحدث عنه هنا هو عدم الواقعية، والمبالغة في وصف الشخصية بكونها جامدة، فقد أنكر الكاتب واقع الموضوع وتجاوز الحدَّ المُتَّزن بوصف الشخصية والتعمُّق بشعورها.
وإننا ننصح ونقترح على الكاتب ألا يتعمَّق بالتفاصيل ويجب عليه أن يبعد عن المماطلة كذلك، فكان التركيز الأكبر بالرواية حول الصراع الداخلي الذي يمر به ميرسو دون تصويرٍ واقعيٍّ بحتٍ لشخصيته، ونقترح كذلك عدم المبالغة في وصف الشخصية بكونها جامدة.
وإن الرواية تضمَّنت شرحًا للمجتمع وعلاقة الأفراد به وكذلك جرائم القتل عمدًا، أي جوانب المجتمع السلبية، وهذا ما يدفعنا للتنويه بوجوب وجود الواقعية؛ لأنها تخصّ ظواهر كهذه، ووجب أيضًا اقتراح الابتعاد عن الأحداث غير المنطقية.
وبالتطرق إلى إجابة الأسئلة التي تراكمت بأذهانكم الآن بسبب عدم الواقعية وطرحتها من قبل، ألا وهي؛ ما معنى الحياة؟ وهل هي بلا قيمة وعبثية لهذا الحدِّ؟
هذا السؤال لا بد أن يطرحه كل إنسان لنفسه عندما يعاني بعض الصعاب أو يصطدم بالمشكلات، فالموت سيُوافينا عاجلًا أم آجلًا، فنحن وُهبنا عقلًا نُفكِّر به لنختلف عن الحيوان، نحن خُلِقْنا لشيء أعظم في هذه الحياة وليس من أجل العدم.
فالعدمية الأخلاقية التي أصابت ميرسو كانت تجعله يفترض أنه لا يوجد فرق بين الصح والخطأ، تجعله يُشَكك بكل مَن حوله، تُقنعه بأنه لا قيمة لجوهره، وبأن وجوده لا معنى له.
لكل منا رسالته بهذه الحياة، وهي رحلة ندرك فيها ذواتنا وتقربنا من الله، ويجب أن ندرك ذلك بكل جوارحنا حتى لا نُصاب بالفراغ الروحي والتعاسة أو حتى الاكتئاب الوجودي.
فنحن نعيش بفضل عواطفنا ومشاعرنا تجاه الآخرين، لذلك لا يجب أن نتجرد ممّا هو ملاصق لغريزتنا، فهذه هي فطرة الإنسان بكل الأحوال.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.