نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق..
............
استمرت الجدة في الحديث عن الجد وكيف كان يحب ركوب الخيل، قاطعها نادر قائلًا: «تقصدين الحصان يا جدتي؟.. أنا أيضًا أريد أن أتعلم ركوب الحصان والسباحة، لكن أبي لا يريد أن يعلمني السباحة في النهر لأن عمق النهر كبير، وفيه خطورة على الأطفال الصغار، لكنه وعدني أن يعلمني ركوب الحصان.»
قالت له الجدة: «نعم يا ولدي، إن النهر خطر عليك، قد أُصيب كثير من أهل القرية بالأمراض في الماضي بسبب مياه النهر، لكن ركوب الخيل سيعطيك قوة ويعلمك الشجاعة.» وهكذا ظلت الجدة تروي حكايات الجد سالم والقرية حتى استيقظ نادر على صوت أمه فجأة، وهي تخبره بأن طعام الغداء جاهز، بعد أن نام على كتف الجدة وهي مستمرة في الحديث بصوتها الخافت.
وضعت الأم أطباق اللحم والأرز على مائدة صغيرة في الغرفة، وأخذ الجميع يأكلون بشهية، فرحين بالنجاح. بعد أن أنهى نادر طعامه، استأذن أمه أن يذهب لزيارة صديقه في المدرسة عدنان، ابن المهندس حسين، في الجانب الغربي من القرية، الذي يفصله عن الشارع الذي يقطن فيه نادر فرع صغير لنهر النيل، يقسم القرية نصفين. في الجانب الغربي تقع الأراضي الزراعية وبيوت أعيان القرية والأثرياء. فأذنت له وقالت: «لكن لا تتأخر، أبوك على وشك العودة.»
كان ذلك قبل ساعة تقريبًا من موعد غروب الشمس. عدنان هو صديق نادر المقرب في المدرسة، ووالدته السيدة كريمة تحب نادر بسبب أدبه وأخلاقه، وترحب به دائمًا في بيتهم، وهي لا تفعل ذلك مع أحد من زملاء ابنها في المدرسة أو في القرية، فهي تحرص على ألَّا يختلط ابنها إلا بأصحاب الأخلاق الحسنة.
انطلق نادر من البيت يمشي تارة ويركض تارة، حتى عبر الجسر فوق النهر، ثم دخل إلى الشارع الكبير المملوء بالأشجار على جانبيه، حيث يسكن عدنان. هناك أيضًا، في بيت مجاور لبيت عدنان، تسكن ياسمين، ابنة مأمور القسم السيد أسعد، وهي تصغر نادر بسنة دراسية، وتدرس في نفس المدرسة.
تعرف عليها في أثناء الدراسة عندما كان أحد التلاميذ المشاغبين يضايقها ويتنمر عليها، بسبب أنها تهتم بالنظافة بدرجة كبيرة وتخاف على اتساخ ملابسها، وتنأى بنفسها عن اللعب مع الفتيان أو التحدث إليهم. حينها، ذهب نادر فنهر ذلك التلميذ وأبعده عنها، وأوصلها إلى باب المدرسة، ولم يتركها حتى أتى سائق والدها واصطحبها إلى البيت. من يومها، أصبحت ياسمين تحييه عندما تراه في المدرسة وتتحدث معه.
حكت له أنها أخبرت أمها بما فعله من أجلها، فمدحته وقالت لها: «قولي له إن أمي تشكرك على شهامتك.» حينها، شعر نادر بالفخر والسعادة.
اقترب نادر من بيت عدنان، قبل أن يطرق الباب، ظل واقفًا ينظر إلى بيت المأمور، وتمنى أن يجد ياسمين في شرفة منزلها ليحييها، لكنه لم يجد أحدًا في الشرفة، وفوجئ بعدنان يفتح له الباب بعد أن رآه من الشباك، ويقول له: «لا تنتظر رؤيتها، لقد سافرت مع أمها إلى الإسكندرية.»
ارتبك نادر وقال له: «من؟ ماذا تقصد؟ أنا لا أنتظر شيئًا!» فقال له عدنان: «صديقتك ياسمين…»
قاطعه نادر وقال: «من قال لك إني أنتظر رؤيتها؟» فضحك عدنان وقال له: «لا تغضب هكذا، أردت فقط أن أمازحك… تفضل.»
سلم عليه نادر، ودخل إلى قاعة الاستقبال، وهما يضحكان ويهنئان بعضهما البعض بالنجاح. خرجت السيدة كريمة، أم عدنان، من المطبخ ترحب به، وهي تحمل صينية فوقها بعض الحلوى والعصير. جلس الصديقان يأكلان ويتحدثان.
أعاد عدنان ذكر ياسمين، لكن هذه المرة تكلم عن مدينة الإسكندرية وكم هي جميلة وساحرة. لمعت عينا نادر، وقال له: «لقد رأيتها في بعض الأفلام، فعلًا إنها جميلة جدًّا ونظيفة، وكأنها قطعة من أوروبا، كم أتمنى أن أزورها.»
فقال عدنان: «طبعًا، خصوصًا الآن…»
قال له نادر: «توقف عن هذه التلميحات السخيفة وإلا غادرت.» فسكت عدنان.
مرَّ الوقت سريعًا، وقاربت الشمس على المغيب. استأذن نادر للانصراف، واتفق الصديقان على اللقاء في اليوم التالي للذهاب إلى شاطئ النهر الكبير في نهاية الشارع الكبير.
رواية رائعه
اشكرك شكرا جزيلا خالص تحياني
رواية جميلة جدا
اشكرك شكرا جزيلا خالص تحياتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.