نظرت المجموعة لأشباههم -الذين يجثون على ركبهم كرهينة أمام النّيران المشتعلة- ولم يحركوا ساكنًا، وقبل أن تنحر القبيلة رقاب أشباههم سقطوا جميعًا مغشيًا عليهم من شدَّة الذعر، وبعد استيقاظهم لم يجدوا أيّ أثر لأشباههم ولا حتّى لقبيلة الأغوريين، ولكنَّهم وجدوا رسالة مكتوبة بالطلاء الأحمر على جدران الفندق، وكانت الرسالة عبارة عن لغز كما يلي:
"لا تنخدعوا بالآميترين المزيف؛ لأن الحقيقيّ يظهر فقط في ليلة القمر الأحمر، وسيكون بحوزة أول قربان قدَّمه البشر للإله، أو مع نفس فصيلته، وتذكروا أنَّ هذا القربان هو نفسه مُنقذ البشرية على مر العصور، أوجدوا الآميترين الحقيقي قبل ظهور القمر الأزرق وإلا ستصبحون قرابين للآلهة".
تسمّر الجميع أمام الرسالة ثم وجَّهوا نظراتهم صوب جايلز وديفيد، وكسر كريس حاجز الصَّمت، وسألهم: هل يوجد آميترين آخر حقًا؟ إذن هل أعطانا زعيم القبيلة آميترين مزيف ومعه لعنات هدية؟ لم يحظَ كريس بإجابة من ديفيد، ولكن جايلز تركهم وجلس على أريكة الفندق، وقال بهدوء: لماذا أشعر أن أسئلتكم ونظراتكم محملة بالاتهام لي ولديفيد، ولكن لا تنسوا أن جميعنا في قارب واحد؛ لذا دعونا نحلّ لغز الرسالة سريعًا وندع صراعاتنا الأخرى لوقت لاحق.
ما هو أول قربان قُدِّم للإله؟
متى ستحدث ظاهرة القمر الأحمر؟
متى سيظهر القمر الأزرق؟
وبعد الانتهاء من الكتابة نظر للوحة وقال: إذن حياتنا بأكملها متوقفة على إجابة تلك الأسئلة، ولكن حتى ولو أجبنا على الأسئلة لا يزال أمامنا معضلة أخرى وهي الحصول على هذا القربان قبل ظهور القمر الأحمر.
بدأت هايدي تستعدّ للتخلي عن أجمل ذكرياتها في فلسطين، وفي تلك الأثناء كانت تنظر لسافاش بشيء من الشفقة والذّعر؛ فهي على وشك أن تصبح ضحية جهنورش الجديدة، وكان كل خوفها أن يحدث معها مثلما حدث مع سافاش، وأن تعيش مع أسوأ ذكرى في حياتها، تلك التي جعلتها تهرب من فلسطين وتهاجر لكندا للأبد، وما زاد من خوفها أنها كانت على يقين أن جهنورش سيجبرها على تذكر تلك الحادثة مدى الحياة، وللأسف تلك الذكرى هي نفسها الوجه الأخرى لأسعد لحظة في حياتها.
أغمضت هايدي عيناها في استسلام وابتسمت وعادت بالزمن ليوم الأحد 18 ديسمبر 2011م، هذا هو اليوم الذي عاد فيه أخيها الأكبر ياسر من السجون الإسرائيلية بسبب صفقة شاليط لتبادل الأسرى، وكان ياسر من ضمن 1027 أسيرًا فلسطينيًا تم الإفراج عنهم مقابل الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، وكان ياسر مع الأسرى الذين أرسلوا بعد أكتوبر 2011م؛ لأن وقتها صفقة الأسرى كنت تنص على إرسال نصف الأسرى في أكتوبر والنصف الآخر في ديسمبر، وكان ياسر مع الأسرى الذين تم الإفراج عنهم في ديسمبر 2011م، وبعد تذكر تلك اللحظات السعيدة حدث مع هايدي بالضبط ما حدث مع سافاش، واستيقظت هايدي بعد سباتها العميق على بكاء هستيري، وكالعادة نظر إليها جهنورش بابتسامة المنتصر، وأخبر الخمسة عن سبب بكاء هايدي، وهو تذكرها لموت أخيها ياسر يوم الجمعة 18 يوليو 2014م في القصف الإسرائيلي على غزة.
هدأت هايدي بسبب غضبها من جهنورش، وابتسمت له، وقالت: هل تعتقد أن ذكرياتنا الحزينة ستدفعنا للانتحار حقًا؟ يا لك من أحمق غبي... ألا تعرف أن الحزن هو الوجه الآخر للسعادة؟
اقترب جهنورش منهم، وقال: صديقتكم محقَّة، ولكنكم نسيتم أن قوانين العالم السفلي لا تخضع لإرادة البشر ولا لمشاعركم الغبية؛ لذا لا تتأملوا عبثًا لأن كل ثانية تمرُّ في هذا العالم لن تعطيكم سوى العذاب فحسب.
نهاية الحلقة العاشرة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.