يرتشف رشفتين، يحملق بـ(علي) ويفكر في كلامه، يكسر تفكيره مخاطبة عليٍّ له بنبرة شاكية:
- آه لو تعلم يا يوسف كم أتحمل إهانات والدي لي في كل وقت وحين، لأشفقت على حالي، يوبخني على أتفه الأمور.
- لا عليك، سأجعلك أسعد إنسان على وجه الأرض.
متمنيًا يقول:
- ليت لي يا يوسف، أريد أن أنسى مشكلات البيت.
فجأة يغمز يوسف علي، خالد ابن أبي خالد جار أبي ماجد حضر للتو إلى المطعم، يجلس في آخر طاولة مع أصدقائه، يرمق يوسف وعلي بنظرات اندهاش، يحاول عليٌّ إبعاد نظره عنه، يبادر يوسف ويلوح بيده له، يبتسم ابتسامة باهتة وهو يتأمل عليًّا من بعيد، يتحدث بنبرة متوترة خافتة:
- يوسف..
يهمس بالقول:
- نعم ماذا تريد؟
- هل لا يزال ينظر إلينا؟
- يتحدث مع أصدقائه ويحدق بنا.
يرد بنبرة متذمرة:
- من أين أتى خالد؟
- ما بالك؟ هل تخاف منه؟
يفتح عينيه باستهجان:
- من يخاف؟ أنا؟ ماذا تقول؟
- حسبت ذلك.
- لا أخاف مئة من أمثاله، لكن أخشى أن يخبر والدي.
يرفع يده يشير للنادل:
- كم الحساب؟
يتمتم بالقول:
- من أين أتى هذا؟ هل هذا وقته؟
يضع يده على خده، يراقب خالد، يلحظ يوسف يخرج محفظته من جيب قميصه، يفغر فاهه، يحدق بالنقود التي أخرجها يوسف من محفظته، ينظر إلى النادل مخاطبًا:
- تفضل الحساب، وهذه إكراميتك.
يشعر بانزعاج:
- هيا يا يوسف، لا أطيق البقاء هنا.
يخرجان من المطعم، ويرقبهما بعينيه، يتظاهر عليٌّ بعدم الاهتمام، ترتسم على وجهه أمارات تَجَهُّم، وقد دلفا من الباب الخارجي:
- هل رأيت كيف كان ينظر إلينا؟
يرد دون مبالاة واهتمام:
- دعك منه، اصمد ولا ترتجف كالصغار.
في يوم الجمعة عند الظهيرة أمام التلفاز تنفض سعاد الغبار، وماجد يجلس على الكنبة الطويلة يشاهد التلفاز، تمر أمامه من حين لآخر، يحاول متابعة المشاهدة، وقد بدا عليه الضيق، تُمسك بالمنفضة تنظف التلفاز، يدير وجهه هنا وهناك، يخاطبها بانفعال:
- هيا ابتعدي، لا أستطيع المشاهدة....
تقطب حاجبيها مجيبة:
- ما بالك؟ أريد رفع الغبار عن التلفاز...
يزفر زفرة حارة، يرفع صوته ويلوح بيده:
- لا يحلو لك التنظيف إلا أمامي!
تكتف يديها:
- وماذا أفعل لك؟ لن أتأخر، سأُنهي بعد قليل...
يقف فجأة، يقرب وجهه من وجهها مجيبًا بتحدٍّ:
- ماذا تفعلين؟ سأريك ماذا تفعلين...
تضع يدها على خاصرتها وقد حدجته بنظرات ثاقبة:
- هيا أرني ماذا ستفعل يا عنتر زمانك...
يدفعها لتصطدم بالحائط وتسقط على الأرض، تصرخ بوجهه...
أجابها:
- هذا الذي أفعله...
- أيها الغبي...
- أنت الغبية، تعلمي كيف تتكلمين مع من هو أكبر منك...
يجلس مرة أخرى ويشاهد التلفاز، ترمي المنفضة، وتنادي بحنق:
- أمي، أين أنت يا أمي.
أم ماجد في غرفة النوم ترتب السرير، تدلف إلى الغرفة وهي تبكي، تلتفت إليها باستغراب:
- ما الذي حدث؟ لماذا تبكين؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.