تقف هناء أمام المرآة تهندم حجابها، تمر في ذاكرتها المشادة الكلامية التي حصلت بينها وبين هدى في الأمس، تخفض رأسها، وتتنهد بقلق...
تقيس وفاء ضغط مريضة في غرفة 4، يحضر الطبيب مستفسرًا:
- ها يا ممرضة وفاء، هل قست ضغط المريضة أميرة عزيز؟
تهز رأسها بالإيجاب:
- نعم حضرة الطبيب.
- دعيني أرى.
تفسح له المجال، وقد أحسّت أن يديها تتعرقان من التوتر.
يجيب بنبرة متضايقة:
- ما بالك يا ممرضة وفاء؟ فحصك ليس صحيحًا! ارجعي وتأكدي قبل أن تسجيله في ملفها.
يحمرّ وجهها ويغادر، تشعر أن حرارة جسدها قد ارتفعت، تنظر إليها المريضة بشفقة.
أبو ماجد يجلس على السرير يتكئ على الوسادة، ويفكر في نفسه قائلًا: «لا أدري قلبي يحدثني أن هذا المدير فهد يريد أن يبتليني بمشكلة كي يتخلص مني، الله أعلم... اللهم سترك يا رب اكفني شرهم».
سعاد عاقدة حاجبيها ومكتفة يديها بانزعاج، سارة نائمة في مهدها، يدخل عبد اللطيف تحدجه بنظرة حادة منفعلة:
- ما شاء الله! هذه هي هدية أمك وأبيك؟ الذي يراهما يخيل إليه أنهما مسكينان لا يجدان رغيف الخبز اليابس!
يمتعض:
- ماذا أفعل؟! أقول لهما ما هذه الهدية أريد أفضل منها؟! سعاد هل أنت في وعيك أم تخرفين؟!
- لا يا سيدي أنا في كامل وعيي! أنتم البخلاء، هذه أول حفيدة لكما أهكذا تعاملونها؟!
يجلس ويهز ساقيه بقلق:
- هؤلاء أهلي تعبوا علي، ولن أكلفهم فوق طاقتهم.
تضع كفها على خدها بتعجب:
- وأنت الصادق! تأخذ مني أنا وتفتعل الحجج لأعطيك وأعطي أهلك، أليس كذلك؟
يشير بسبابته معترضًا:
- كلامك ليس صحيحًا، أهلي لا يأخذون منك شيئًا.
ترفع نبرة صوتها:
- إذن، كن رجلًا واصرف عليهم، بدل أن تمد يدك إلى حقيبتي وتأخذ راتبي.
يفتح عينيه باندهاش، مستطردًا:
- لا تفتح عينيك بي هكذا، أتحسب أنني لا أعلم؟!
- أنت زوجتي ومالك هو مالي.
- نعم زوجتك لكن مالي هو مالي، أنا أعطيك عن طيب خاطر، لا أن تنصب علي وتسرقني لتحوز على غرضك.
تطرق هنيهة:
- أتعرف ما اسمه؟ هذا اسمه استغلال.
تتصاعد أنفاسه مجيبًا بغضب:
- أنا أستغلك! يشير بسبابته إلى صدره مضيفًا:
- هل تسمين مساعدة الزوجة لزوجها الفقير المحتاج استغلالًا؟
تتهكم:
- يا لك من مسكين، تدور على أبواب المساجد لله يا محسنين، أنت معلّم في مدرسة خاصة، كل البلد تعرفها أين تذهب براتبك؟ تتحاذق علي تراني وحيدة بلا أهل ها؟
يزفر زفرة طويلة:
- اصمتي أحسن لك، ولا تعكري صفو اليوم..
- وإذا لم أصمت ماذا ستفعل؟
- سعاد، لا تثيري غضبي.
تشير بيدها باستحقار:
- أنتم رجال؟ إخوتك لماذا لا يعملون، أم تعتمدون على راتبي أنا؟ انعدمت الرجولة.
تشيح بوجهها وتغمغم:
- ما هذه الصفاقة؟
يعلو صوته ويرفع حاجبيه بعبوس:
- ابلعي لسانك وإلا...
ترفع صوتها وتحدجه بنظرة استخفاف:
- وإلا ماذا؟ ستصبح فحلًا وتضربني؟ هيا افعلها إن كنت رجلًا.
- نعم أضربك وأكسر رأسك.
يستشيط غضبًا ويلطمها على خدها، تصرخ في وجهه بقوة:
- كسر الله يدك يا عديم الرجولة.
- رجل رغم عنك، الدور عليك، يهمس لها بشماتة: يا من بعت أهلك.
يخرج ويصفق الباب بعنف.
تبصق.
- تفووه عليك يا قذر.
يعلو صراخ سارة وتضع كفيها على وجهها وتجهش في البكاء، متمتمة: "أين أنت يا أبي؟ لم يعد لي سند بعدك، أين أنت يا أمي يا حبيبتي اشتقت لحضنك، سامحاني... سامحاني".
تنهض وترفع سارة من مهدها وتهدهدها...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.