تجلس وفاء في غرفتها تُحدث نفسها وقد بدا الوقت عند الغروب، ومع تسلل نسمات باردة شعرت بانتصاب شعيرات جسدها: «ماذا أفعل؟! لقد تركتني سعاد بمفردي وأصبحت مصاريف البيت كلها على ظهري! لم أعد أشعر بحلاوة الحياة، تراكمت الهموم وزاد حزني، لا أهتدي إلى الطريق الذي ينشلني من متاعبي! سامحكِ الله يا سعاد، نسيتِ ما كان بيننا من ذكريات وأحلام!».
تُوسد سعاد خدها على كفها سارحة، بينما يشاهد عبد اللطيف التلفاز ويلتفت إليها بالقول:
- ما بالكِ يا سعاد؟ لماذا دخلتِ من غير أن تُلقي التحية علينا؟ ماذا حدث لكِ؟!
فترد بضيق:
- ماذا حدث لي ها؟! أظل ساعة كاملة أنتظرك خارج المشفى في الليل ولا تأتي لتوصلني إلى البيت، وحضرتك هنا تجلس مع أمك تأكل الفشار وتضحك! وتسألني عن حالي! هذا هو حالي يا زوجي العزيز!
فيبتسم ابتسامة باهتة ويُجيب بهدوء:
- لا تكبري الأمور عزيزتي، ها أنتِ حضرتِ ولم يحدث شيء!
فتعقد حاجبيها بنفور:
- ما بالك؟ أنا زوجتك، ومن الواجب عليك أن تخاف عليَّ، لا أن تجعل الغريب يُشفق عليَّ ويُوصلني!
فيرد ببرود:
- طبعًا أخاف عليكِ يا حبيبتي، لكن عليكِ أن تُقدري موقفي، أمي متضايقة لأنكِ لم تُسلمي عليها عندما عدتِ من العمل!
- لا يهمك إلا أمك ومشاعرها المرهفة! ألا تراها غير مهتمة وإذا نظرت إليَّ تنظر بازدراء؟!
- أنتِ مخطئة.. يا عزيزتي أمي تحبكِ كثيرًا.
- نعم تحبني! هذا واضح جدًّا!
تجلس أم ماجد على الكرسي المقابل للشرفة وتسند ظهرها إلى الخلف وتهمس في سرها:
«لا أدري متى ستتزوج وفاء! لا تريد سماع هذا الموضوع مطلقًا! أخشى أن تكون قد صُدِمت بعد الذي حدث مع أختها سعاد!».
ثم تقوم وتذهب إلى غرفة البنات، وتطرق الباب، لكن وفاء بدت شاردة الذهن، فانتبهت وفتحت الباب:
- آه أمي، هل انتظرتِ طويلًا؟
- كلا يا ابنتي، منذ قليل جئت.
وتعاود وفاء الجلوس على السرير وتجلس أم ماجد بجانبها وتسألها:
- كيف حالكِ يا ابنتي؟
فتجيب بفتور:
- بخير يا أمي والحمد لله.
وتلتقي أعينهما، فتحاول وفاء أن تُبعد بصرها وتُصوبه في اتجاه النافذة، فتقول أمها:
- أراكِ مستاءة كثيرًا! هل حدث معكِ شيء في العمل؟
فتُجيب بالنفي:
- كلا يا أمي.. فقط كنت أفكر في حالنا وما حصل بيننا وبين سعاد وقطيعتها لنا.
- لا تهتمي يا بُنيتي.. هي أرادت ذلك وفضلته علينا.
فتهز رأسها بأسى:
- لا أدري هل أسامحها أم لا!
- احمدي الله يا وفاء.
فتُجيب بحرقة:
- الحمد لله.. لكني متعبة.. متعبة جدًّا يا أمي.
وتنسكب الدموع من عينيها وتنهمر في البكاء وتحتضنها أم ماجد بقوة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.