يرفع سماعة الهاتف ويدير الرقم، وهو متكئ على مسند المرتبة:
ألو... آه علي كيف حالكم وحال أمي؟
يجيبه بارتياح:
الحمد لله يا أبا وليد، الجميع بخير ويرسلون تحياتهم لكم.
وأنت وأم وليد والعيال كيف حالكم؟
يقطب حاجبيه مجيبًا بنبرة باهتة:
الحمد لله يا أخي، كلنا بخير.
يصمت هنيهة مردفًا:
أود أن أسألك يا علي، لا أدري أرنُّ على هاتف بيت الوالدة ولا أحد يرد، أصابني القلق... هل يوجد شيء لا سمح الله؟
يطمئنه:
لا، اطمئن، فقط أخواتي غيرن رقم الهاتف. أنت تعرف إجراءات الانتقال لشركة اتصالات جديدة، المهم سأعطيك الرقم الجديد.
حسنًا، أعطني إياه.
يتناول ورقة وقلم، يعدل قعدته ويتربع، ويضع المسند على رجليه.
هاك، خذ...
يسجل الرقم:
بارك الله فيك يا علي، إن شاء الله سأتصل بهن. مع السلامة.
يزم شفتيه مستغربًا:
مع السلامة.
يضع سماعة الهاتف متسائلًا في نفسه: "يا ترى ماذا تريد يا ماجد من أمي؟! مرت ستة أشهر على عودتك إلى البلدة الجنوبية، أخشى أنك تريد مالاً منها... آه، هذه الأم أعانها الله على طلباتك التي لا تنتهي!"
يعقد كفيه خلف رأسه، وصوت المعلق الرياضي يتردد في الصالة، نادية في المطبخ تعبئ الغلاية بالماء ثم تلقمها بالقهوة، تفتح عين الموقد وتضعها عليه، تسرح بفكرها: "آه منكن يا أخوات ماجد، لن أنسى إهانتكن لي وقت كنا عندكن! سأعرف كيف أردها عليكن... سأجعل ماجد يأخذ منكن ما استطاع من المال. لا ولد ولا زوج لمن تدخرن المال؟! لن أسمح أن يأخذه غيرنا... أنا وزوجي وعيالي أحق به من الغريب!"
الساعة التاسعة صباحًا، وفي دائرة الأراضي والعقارات، أم ماجد تجلس أمام مكتب موظف التسجيل، وتجلس سعاد ووفاء وهناء وخلود على المقعد الطويل مقابلها. يعطي الموظف أم ماجد الورقة ويفتح محبرة التبصيم. تضغط بإبهامها، ويشير إلى مربع التوقيع:
هنا يا حجة...
حاضر يا بني...
يرفع بصره:
تفضلي يا أختي... هاك القلم... وقعي هنا.
تنهض سعاد وتوقع، ثم وفاء وبعدها هناء ثم خلود.
تبتسم أم ماجد برضا وتشعر بانشراح في صدرها، فيوقع الموظف مخاطبًا:
أرجو الذهاب إلى المالية لاستكمال إجراءات التسجيل والدفع.
تنهض أم ماجد متكئة على درتها، وتسندها سعاد:
أطال الله عمرك يا بني...
أهلاً ومرحبًا بكِ يا حجة.
تعمُر قلوبهن مشاعر الضيق والحزن، والفزع من الذي تخبئه الأيام المقبلة.
بعد ربع ساعة تقف سيارة أجرة عند بيت أبي ماجد، تخرج أم ماجد والبنات، يصعدن الدرجات، وسعاد تمسك بيد أم ماجد، وقد بدا على وجهها الراحة والسكينة، تحدثها نفسها: "الحمد لله يا رب، الآن أنا مطمئنة على بناتي... الحمد لك يا رب."
فريال في غرفة أمين، تشاهد كتبه ملقاة على الأرض وثيابه متناثرة على السرير، تنادي عليه بصوت عالٍ:
أمين... يا أمين...
يتناهى إلى مسامعهن صوت يخرج من بيت علي، يتوقفن فجأة، فريال تصيح على أمين، تهمس خلود لهناء:
تسمعين صوتها؟
تهز رأسها بأسى:
نعم أسمع، كان الله في عون الأولاد عليها.
الحمد لله أن أمي نسيت وضع سماعة أذنها اليوم...
توافقها:
كلامك صحيح، وإلا لأصابها الزعل والمقت.
تتبادل سعاد ووفاء النظرات المشوبة بالاستهجان مع هناء وخلود...
يكملن صعودهن ويدخلن إلى داخل البيت.
يتردد صدى صوتها في البيت، فيحضر أمين على عجل بخوف وارتباك:
نعم يا أمي...
تضع يديها على خاصرتيها وتحدثه بنبرة حادة، وتنظر إليه من فوق إلى تحت متسائلة باستهزاء:
أنعم الله عليك! لماذا لم ترتب حاجاتك يا سيد أمين؟! هل ينقصك رجل أو يد حتى تترك غرفتك بهذا الشكل وتلك الفوضى العارمة!
يتوتر:
آسف يا أمي، نسيت...
تحدجه بعبوس:
نسيت... هل نسيت أن تأكل وتشرب؟!
يلوي شفتيه بانزعاج:
حاضر، سأرتبها...
تشير بيدها متوعدة:
ولماذا ترد عليَّ هكذا؟! اسمع، أنا بمقام أمك... يا ويلك مني إن رددت عليّ بهذه الطريقة مرة أخرى... هل فهمت يا ابن منى!
يجيبها بصوت منكسر مصوبًا عينيه إلى الأرض:
حاضر...
الساعة تجاوزت السابعة مساءً، فريال في غرفة النوم تجلس على طرف السرير، علي يجلس على السرير يراجع فواتير البضائع، تنظر إليه بضيق:
يا علي، لا أستطيع احتمال ابنك أمين، لا يسمع الكلام ويرد عليَّ من غير احترام.
منهمك في الحساب:
ولماذا يفعل ذلك؟! ماذا يريد؟!
لا أدري اسأله! الظاهر أنه يعاملني كزوجة أب وليس كأمه؟!
يتناول الحاسبة الآلية مجيبًا بانزعاج:
لا يحق له، لا تهتمي، سأتحدث معه وأنبهه.
ترد بمكر:
حسنًا لا تقسو عليه، ما زال صغيرًا لا يفهم.
يضب الفواتير ويتكئ على الوسادة:
لا عليك، سأعرف كيف أعلمه أصول الحديث مع الكبار واحترامهم.
تلوي بوزها بامتعاض:
الله يديمك فوق رأسي..
تتملق:
هل أحضر الغداء لك، حبيبي؟
يفرد رجليه:
يا ليت، يا أم حسام.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.