رواية الأيام بيننا الجزء 226

يتكئ على المخدة ويشاهد التلفاز، تحضر نادية وتتربع بجانبه تنظر إليه مخاطبة:

ما رأيك يا ماجد أن نعرض الأوراق التي بحوزتنا والتي أعطتك إياها والدتك على أخي حسن، علَّه يستطيع أن يسجل البيت باسمك.

يلتفت إليها مستفهمًا:

لا أعرف، هل يستطيع أخوكِ فعل ذلك؟! أوراق طابو البيت فتشت عنها وقلبت الخزائن بلا جدوى، حتى أمي فتشت عنها ولم تجدها!

ترد بنبرة هادئة:

لا عليك من كل ذلك، رفيقه يعرف شخصًا يعمل في دائرة الأراضي والعقارات، لن يضيرنا شيء. سأفاتحه بالموضوع، وأنظر ماذا يرد عليَّ.

يهز رأسه بالإيجاب، يخالجه شيء من الحماس:

فكرة! لماذا لا... اعرضي عليه الموضوع، ربما يجد لنا مخرجًا!

تطمئنه:

لا عليك، اليوم مساءً سأذهب لأهلي وأحدثه بالأمر.

يعدل من جلسته:

على بركة الله...

يرتفع صوت جدالهما في البيت، سعاد ووفاء تتجادلان بحدة، وترتفع نبرة جدالهما وأم ماجد تنظر إليهما بحسرة، وتنكس رأسها همًّا وحزنًا. خلود تتنهد بعمق وتربت على كتفها مواسية. يحمر وجهها غيظًا، تلقي المسند على الأرض وتدفع الباب تهم بالخروج، تحدق بها سعاد بامتعاض، منادية:

هي، أنتِ يا وفاء، في الأقل احترمي أمكِ! أنتِ حقًّا بلا مشاعر، هل فقدتِ صوابكِ؟ ماذا نفعل؟! هكذا قدر الله علينا... احمدي ربكِ...

تضع يديها على خاصرتيها معترضة:

أحمد الله قبل أن تلقي محاضرتكِ علينا! ثانيًا يا سيدة سعاد، هل تريدين مني أن أستسلم لكلامكِ البائس؟! نحن لسنا ملزمات بالإنفاق على هذه الدار بمفردنا، وإخوانكِ يضعون رجلًا فوق رجل غير عابئين ولا مهتمين بما نقاسي ونتعب في عملنا!

تقطع جدالهما:

يكفي يا وفاء، ليس بيدنا أي شيء يمكن أن نفعله! يجب أن نرضى بما قسمه الله لنا.

تبادر:

فعلًا معكِ حق يا خلود، قولي لها، لقد سئمت من نقاشاتها العقيمة.

تجيب بتذمر:

أووه... يبدو أنكما لن تفهما قصدي... أفضل لي الذهاب إلى غرفتي ووضع رأسي على المخدة وأخذ غفوة تنسيني مشكلاتكم التي لا ولن تنتهي.

تستعجلها بتندر:

يكون أفضل...

تحدجها بنظرة حادة، ثم تدلف إلى غرفتها...

تنظر إليهما بأسى، متمتمة في سرها: "آه يا أبا ماجد، لقد تركت لي حملًا ثقيلًا، حمل البنات وخوفي عليهن من أنفسهن وإخوانهن يكاد يفطر قلبي!"

تنهض سعاد وتغادر إلى غرفتها، تسحب خلود نفسًا ببطء، تقبل رأس أمها، وتسرح بفكرها: "يا رب افرجها علينا... أشعر أن أهل هذا البيت لم يعودوا يطيقون بعضهم بعضًا... يا رب صفِّ نفوسنا واجمعنا على الخير كما كان يحب والدي دائمًا، رحمه الله."

مر اليوم كئيبًا وقاسيًا على أم ماجد، حطت رأسها على الوسادة والحزن يعم جسدها... لم ترَ بناتها بهذا الشكل من التشتت والنفور مثلما رأته اليوم... تتمنى أن تصحو ويمحى من ذاكرتها هذا اليوم! انحدرت دمعة دافئة على طرف الوسادة واستقرت بقعة صغيرة، تذكرها بخيبة أملها في تربية أبنائها.

الساعة الثامنة صباحًا، خلود تحضر الإفطار وأم ماجد تصلي صلاة الضحى، بعد عشر دقائق تدلف خلود وبيدها صينية الإفطار، تجلس بجوار أمها:

هيا يا أمي، جهزت لكِ إفطارًا خياليًا.

سلمت يداكِ يا خلود.

تطرق لثوانٍ وترتشف قليلًا من الشاي، تفطن:

أمي، هل تتذكرين يوم أن قلت لنا ما حدث لعلي عندما كان صغيرًا يحبو وأنه سقط من أعلى الدرج؟

تغتصب ابتسامة خفيفة:

نعم، أذكر ذلك اليوم جيدًا.

تضع ملعقة حليب صغيرة على كوب الشاي وتحركه، وتضعه أمام أمها:

يومها قلتِ لنا أنكِ اعتقدتِ أنه قد حدث له مكروه.

تهز رأسها وتمد يدها وتقرب كوب الشاي بالحليب ناحيتها:

آه، لا تذكريني يا خلود، لقد كان يومًا صعبًا عليَّ، لم تكوني قد ولدتِ بعد، لا أنتِ ولا هناء ولا عادل، أصابني الفزع وكاد يغمى عليَّ، وإخوانكِ ماجد وسعاد ووفاء مساكين ارتعبوا كثيرًا.

تنصت باهتمام ثم تقضم قطعة جبن:

نعم، كان الله في عونكِ وقتها.

ترتشف رشفة من كوب الشاي بالحليب:

ياه، يا ليتهم يقدرون...

تواسيها:

أجركِ عند الله يا أمي... لا تبتئسي، حبيبتي.

الساعة الواحدة ظهرًا، أم ماجد تهاتف أخاها أبا زاهر وتفضفض:

آه يا أخي، ماذا أفعل؟! لقد استنفدت كل طاقتي، الحمل ثقيل ولم أعد قادرة على أن أتحمل أكثر من ذلك.

يطيب خاطرها:

لا تقلقي يا أختي، ربنا كريم، ستفرج إن شاء الله... لا تزعلي.

تدعو بانكسار:

يا رب هونها علينا، وأصلح بين أولادي وبناتي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي
بقلم خوله كامل عبدالله الكردي