في زيارة مفاجئة حضر ماجد من البلدة الجنوبية، اعترى الجميع الاستغراب كيف يأتي بصورة غير متوقعة، توقعت أم ماجد أن في الأمر سرًا، أولم له علي، وفي أثناء انشغالهم بالحديث والتسامر، تسلل ماجد خفية إلى غرفة أمه في الدور الأول، دفع الباب ودخل على عجل، وأغلق الباب خلفه وصار يفتح الأدراج، ويفتش خلف التسريحة وفي ظرفيها، وأسفل السرير، ثم انتقل إلى فتح الخزانة وتفتيش الأرفف، خلال انهماكه في البحث مرقت خلود وسمعت صوت جلبة في غرفة نوم أمها، ضغطت على مقبض الباب، لاحظت أنه مقفل من الداخل، طرقت الباب، انتبه ماجد وفتح الباب، تنظر إليه باستغراب وحيرة، وقد علا وجهه الارتباك:
أنت هنا يا ماجد، كنا نبحث عنك لتناول القهوة، بعد ربع ساعة ستبدأ المباراة النهائية... هل يوجد شيء؟!
يزدرد ريقه:
لماذا تسألين؟!
تعلو وجهها ابتسامة صفراء:
ما بالك يا ماجد! أنا أسألك لماذا أنت هنا في غرفة أمي؟! عن ماذا تبحث؟!
يرد بتحد:
لا شيء، فقط كنت أبحث عن ورقة بيت والدي في البلدة الجنوبية، أريد أن أسجله باسمي!
تستنكر:
أي ورقة وأي تسجيل؟! ماذا دهاك هناك أمك وإخوانك وأخواتك هل نسيت لهم حصة في بيت الوالد.
يرد بعناد:
لا لم أنسَ يا آنسة خلود، لكن لا تنسي أن والدي ابتاعها كي أسكن فيها وقتما تزوجت! ثم تعالي إلى هنا... عندكم هذا البيت ماذا تريدون أكثر من ذلك؟!
يُطوى الجدال بينهما، يدلف ماجد خارج الغرفة وينزل إلى بيت علي، تتسمر خلود مكانها وقد هالها تبرير ماجد دخوله غرفة أمها خلسة، في وقت الجميع منشغلون في بيت علي بعد دعوته لهم لوليمة بمناسبة مجيء ماجد من السفر.
في صباح اليوم التالي، أم ماجد تهاتف أم فواز معزية إياها بوفاة أبو فواز:
نعم يا أختي رحم الله أبو فواز لقد كان رجلًا طيبًا وكريمًا لم نر منه سوى كل خير، لا تبكي يا أختي، سآتي إليك حالًا لن أتأخر عليك.
تضع السماعة وتدخل خلود متسائلة:
ها يا أمي ما بالها خالتي أم فواز؟!
تجيب بنبرة حزينة:
ماذا أقول لك يا ابنتي... توفي أبو فواز اليوم فجرًا...
تندهش:
رحمة الله عليه... عمي أبو فواز كان من أفضل الأهل وأطيبهم، الظاهر أن مرض العضال الذي ألم به أثر على صحته.
تهز رأسها بكدر:
رحمة الله عليه، أريد أن أذهب كي أعزي فيه، وأكون بجانب أختي في محنتها هذه.
صحيح يا أمي هذا حق وواجب... رحمة الله عليك يا عمي أبو فواز.
تنبهها:
لا تنسي أنت وأخواتك أن تلحقوني، أخبري علي أن يوصلكما.
حاضر يا أمي... إنا لله وإنا إليه راجعون...
بعد مضي أسبوع على وفاة أبي فواز:
عاكفًا يديه خلف رأسه محدثًا في سره: "أين الورقة؟! كيف سأسجل البيت باسمي، وورقة تمليك البيت لا أعرف أين هي! يجب أن أسأل أمي... نعم يجب علي أن أسألها.
خلود سارحةً تفكر بما بدر من ماجد يوم أن أولم علي له: "آخ... تبحث عن ماذا يا ماجد؟! عن ورقة تمليك بيت والدي! تريد أن تسجلها باسمك؟! تخشى أن نطالبك بحصتنا فيها، آه... يا ويلنا من أفكارك الهوجاء، مؤكد نادية هي من وراء كل ذلك، لطالما كان والدي غير راض عن تصرفاتها... رحمك الله يا أبي".
في بيت علي، فريال تجلس على الكنبة أمام التلفاز، وتتكئ بمرفقها على مسند الكنبة، وأمين وسلوى وجمانة يشاهدون فيلمًا كرتونيًا، تسر لنفسها: "آه هؤلاء الأولاد كيف السبيل للتخلص من مسؤولياتهم... لقد ورطت نفسي بهذا الحمل"...
تتنهد بعمق "لا يهم سأعرف كيف أدبرهم".
يتبادر إلى ذهنها صورة ابنتها سارة وقت جاءت مع والدها إلى المشفى، تشعر بحرقة تسري في صدرها...
في غرفتها تراجع دروسها بجد، يباغتها إحساس غريب تتساءل في بالها: "أي نوع من الأمهات أمي؟! تركتني ولم تكلف نفسها عناء السؤال عني؟! لا يهمها غير الانتقام من أبي! آه نعم انتقمت منه في التخلي عني وتركتني أعاني وحشة فراقها والحرمان من حنانها!"
في عيادة الطبيبة، تجلس تحدق بالفحوص التي تقرأها الطبيبة، ونبضات قلبها تتسارع، ترفع بصرها مخاطبة إياها:
مبارك يا سيدة فريال... أنت حامل.
تصاب بالذهول:
ماذا أنا حامل... هل هذا صحيح؟! أنا لا أصدق ما أسمعه.
تهز رأسها بثقة:
نعم أنت حامل وفي الشهر الثاني.
تغرورق عينيها بالدموع:
الحمد لله لك يا رب... سيكون لي طفل من لحمي ودمي... يناديني أمي... الحمد لك يا رب...
تنظر إلى الطبيبة بامتنان:
شكرًا لك يا طبيبة بشرك الله بالخير.
تبتسم:
هذه مقويات يجب أن تأخذيها في وقتها... وإن شاء الله يتمم الله لك على خير، وعليك أن تراجعي في العيادة النسائية كل شهر لمتابعة حملك.
تسحب الورقة:
تفضلي.
تنبسط:
سلمت يدك يا طبيبة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.